أولاً: المقدمة
١-الأهمية
تمثل دراسة الأعمال التخريبية التي تمارسها العصابات الإخوانية والحوثية ضد الجنوب أهمية استراتيجية قصوى، لما لها من انعكاسات على الأمن القومي الجنوبي وعلى استقرار المنطقة بأسرها. فهي تكشف طبيعة الحرب المركّبة التي تستهدف مشروع الجنوب السياسي والسيادي، وتوضح الأبعاد العسكرية والاستخباراتية والإعلامية والاقتصادية والمجتمعية لهذا العدوان المنظّم .
٢-الأهداف
-تحليل طبيعة الأعمال التخريبية التي تستهدف الجنوب.
-تحديد أدوات وأساليب العصابات الإخوانية والحوثية في زعزعة الاستقرار.
-دراسة أثر هذه الأعمال على الأمن والخدمات والبنية الاجتماعية والسياسية.
-تقديم توصيات عملية لتعزيز الأمن والاستقرار ومواجهة تلك التهديدات.
٣-المشكلة:
تتمثل المشكلة البحثية في تفاقم الأعمال التخريبية التي تتخذ أشكالاً متعددة (عسكرية، خدمية، إعلامية، استخباراتية، اجتماعية) وتستهدف مقومات المرافق الحيوية ، مما يهدد الأمن والاستقرار ويقوّض المؤسسات الرسمية.
٤-الفرضيات :
أ-إن العصابات الحوثية والإخوانية تنسق جهودها ضمن استراتيجية موحدة لزعزعة استقرار الجنوب.
ب-إن هذه الأعمال تتجاوز الطابع العسكري إلى حرب شاملة تستهدف الخدمات والبنية التحتية والوعي الجمعي الجنوبي .
ج-إن محاولات العبث المبكرة من قبل قوى الاحتلال الإخوانية والحوثية في الوضع الأمني والخدماتي والإعلامي في المراحل الأولى مكّن هذه العصابات من توسيع نشاطها التخريبي .
٥-المنهج
يعتمد البحث على المنهج التحليلي الوصفي ، الذي يقوم على تحليل الوقائع الميدانية والربط بينها لاستخلاص الأنماط العامة ، مع توظيف منهج المقارنة بين الأساليب التخريبية المتعددة (عسكرية ، خدمية ، إعلامية ، استخباراتية ، اجتماعية)
ثانياً:تحليل نقاط الدراسة:
أتبعت قوى الاحتلال الأخوانية والحوثية وعصاباتها العديد من الأساليب التخريبية مما يتطلب من الدراسة تناول هذه الأساليب بالشرح والتحليل والتأويل وصولا إلى معرفة أبعادها وما وراءها من دلالات ومعاني على النحو الآتي:
أولا :أساليب التخريب العسكرية :
نفذت العصابات الإخوانية والحوثية عمليات نوعية منسقة استهدفت المواقع العسكرية الجنوبية الحيوية كان آخرها وأكبرها الهجوم التخريبي الكبير على معسكر اللواء الأول دعم وإسناد في مديرية لودر بتاريخ ٢١ أكتوبر ٢٠٢٥م ، الذي مثّل تحولًا خطيرًا في حجم ونوعية العمليات التخريبية ، إذ شاركت فيه عناصر تابعة لقوى الاحتلال الحوثية والإخوانية مدعومة ببعض المغرر بهم من الجنوبيين .
لا يمكن النظر إلى هذه العمليات كمواجهات تقليدية ، بل هي رسائل استراتيجية تهدف إلى إنهاك القوات الجنوبية ، وكسر إرادة المجتمع الجنوبي ، وإضعاف قدرته على الردع ، وإشغال القيادة الجنوبية في جبهات استنزاف طويلة المدى .
ثانيا :أساليب التخريب الخدماتية :
اتجهت العصابات إلى حرب الخدمات باعتبارها أكثر تأثيرًا على الرأي العام ، فعملت على تعطيل إمدادات الطاقة ومنع وصول النفط القادم من صافر والعقلة إلى عدن .
كما قامت هذه العصابات في ١٧ أكتوبر ٢٠٢٥م ، بالتشويش على العامة في منطقة أحور حتى تمكنت من تنفيذ عملية تخريبية استهدفت قواطر النفط وحجزها في منطقة احور ما تسبب في انقطاع الكهرباء عن عدن لأكثر من ٤٥ ساعة وهي أطول مدة تشهدها المدينة.
يهدف هذا النوع من التخريب إلى زعزعة ثقة المواطنين بالمؤسسات المحلية ، وخلق حالة من التذمر الشعبي ضد المجلس الانتقالي الجنوبي ،تمهيدًا لتقويض الشرعية السياسية للمشروع السيادي للجنوب .
ثالثا :أساليب التخريب الاستخباراتية :
مارست العصابات الحوثية والإخوانية نشاطًا استخباراتيًا منظّمًا من خلال زرع خلايا نائمة تعمل على جمع المعلومات وإثارة النزاعات الداخلية عبر اختراق هنا وهناك ، وبث الإشاعات الممنهجة .
ويأتي هذا النشاط في إطار استراتيجية التفكيك الداخلي التي تهدف إلى إضعاف الجبهة الداخلية من الداخل قبل أي صدام مباشر.
رابعا:أساليب التخريب الإعلامية:
تمارس قوى الاحتلال الإخوانية والحوثية حربًا إعلامية لا تقل ضراوة عن الحرب الميدانية .
فقد أطلقت حملة منظمة عبر وسائل إعلام ممولة وممنهجة وموجهة ، تتضمن التضليل والفبركات لتشويه صورة المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي .
كما سعت إلى محاولة تشويه صورة القيادات الجنوبية المدنية منها والعسكرية بهدف كسر المعنويات، وتشويه صورة المشروع السيادي الجنوبي أمام الداخل والخارج ، وخلق حالة من الشك والارتباك السياسي.
خامسا :أساليب التخريب الاجتماعية :
ركزت هذه العصابات في أعمالها التخريبية على إثارة الفتن القبلية والمجتمعية ، واستغلال هشاشة بعض البنى الاجتماعية لإشعال الصراعات الداخلية .
ومن خلال الدعم الإعلامي والسياسي الممنهج ، تعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي ، وإثارة الخلافات بين مكونات الجنوب ، بهدف حرمانه من الوحدة المطلوبة في مواجهة الاحتلال .
سادسا:الأبعاد السياسية والاستراتيجية للأساليب التخريبية:
إن هذه الأعمال ليست أحداثًا منفصلة ، بل جزءا من مشروع استراتيجي متكامل يسعى إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في الجنوب .
كما تعمل هذه القوى على خلق أزمات متتابعة لإضعاف المؤسسات الرسمية ، بهدف إجبار القيادة الجنوبية على البقاء في الموقع الدفاعي الدائم ، بينما تكرّس قوى الاحتلال رواية إعلامية موازية تُبرر تدخلها وتحاول خاسئة نزع الشرعية عن القيادة الجنوبية أمام المجتمع الإقليمي والدولي .
ج-النتائج :
١-أثبتت الوقائع الميدانية أن هناك تنسيقًا استخباراتيًا وعسكريًا وإعلاميًا عالي المستوى بين القوى الإخوانية والحوثية في استهداف الجنوب.
٢-تتبنى هذه القوى استراتيجية حرب شاملة تستهدف الإنسان والبنية التحتية والمشروع السيادي للجنوب على حد سواء .
٣-ركز التخريب الخدمي (كقطع النفط والكهرباء) على إحداث حالة من الإنهاك الاقتصادي والنفسي .
٤-كشفت الأحداث الأخيرة عن سعي هذه العصابات التخريبية إلى محاولة إحداث ثغرات أمنية وخدماتية وإعلامية مما يستدعي تعزيز هذه الجبهات الثلاث والعمل على تطويرها المستمر .
٥-أثبتت التجربة أن تماسك الجبهة الداخلية الجنوبية هو العامل الحاسم في إفشال هذه المشاريع التخريبية.
د-التوصيات :
ولمواجهة الأعمال التخريبية لعصابات الاحتلال الإخوانية والحوثية تقترح الدراسة تحقيق التوصيات الآتية :
١-تأسيس مركز وطني للتوثيق والرصد يتولى جمع وتحليل الأدلة حول الأعمال التخريبية ورفعها للجهات القانونية الإقليمية والدولية.
٢-تعزيز القدرات الأمنية والاستخباراتية وتفعيل منظومات المراقبة المبكرة وتبادل المعلومات بين الأجهزة.
٣-إطلاق حملة إعلامية استراتيجية تعتمد المهنية والشفافية وتكشف للرأي العام حجم المؤامرة ، مع ضرورة التعاون مع الإعلام الدولي الصديق .
٤-تنويع مصادر الطاقة وتحصين قطاع الخدمات بإنشاء خطوط بديلة ومخزونات احتياطية للطوارئ .
٥- تحصين الجبهة الداخلية من خلال برامج توعية مجتمعية ودينية وسياسية تعزز الوحدة الوطنية الجنوبية .
٦-إنشاء غرفة عمليات موحدة تنسق بين الأجهزة العسكرية والمدنية والخدمية في مواجهة الأزمات .
٧-التحرك الدبلوماسي المكثف لإدانة هذه الممارسات في المحافل الدولية وفضح أدوار القوى الداعمة .
٨-تفعيلة أدوات المساءلة والمحاسبة ضد كل من يثبت تورطه في دعم أو تسهيل هذه الأعمال .
٩-توسيع الشراكات الأمنية الإقليمية مع الدول الصديقة الداعمة للاستقرار في الجنوب وفي مقدمتها دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.
١٠-دعم مشاريع التنمية والبنية التحتية لتقوية الاقتصاد الجنوبي وتقليل هشاشته أمام محاولات الابتزاز السياسي والخدماتي .
ه-الخاتمة :
يواجه الجنوب اليوم هجومًا متكامل الأبعاد يستخدم أدوات العنف والخداع والحرب النفسية لزعزعة استقراره وتهميش مشروعه الوطني ، ومع ذلك ، أثبتت التجربة أن إرادة الجنوبيين وصلابتهم السياسية والعسكرية والإعلامية قادرة على تحويل هذه التحديات إلى فرص لتقوية الذات وبناء مؤسسات أكثر كفاءة.
إن المواجهة القادمة لن تكون بالسلاح فقط ، بل بالوعي والتماسك والعمل المؤسساتي ، وبصياغة رؤية استراتيجية موحدة تحصّن الجنوب من الداخل وتجعله أكثر استعدادًا لمواجهة أي اعتداء خارجي أو داخلي .
*باحث أكاديمي ومحلل سياسي