في يومٍ مشهود من أيام التاريخ، اجتمعت إرادة أبناء حضرموت قياداتها ومفكريها وقادة اخلافها ومقادمتها واكاديمنها وكل الأطياف السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية والمرأة والشباب في لقاء تشاوري، تحت شعار (نحو إجماع حضرمي موحَّد) لنيل استحقاقات حضرموت في إطار المشروع الجنوبي الفيدرالي في مرحلة حيث التقت فيها عراقة الماضي رجاحة الحاضر وصوابية نظر المستقبل.
وبهذا فقد مثل لقاء حضرموت التشاوري برهانًا ساطعًا على نُضج الوعي الوطني، وصرخة مدوية تعلن أن حضرموت وحدة جغرافية وتاريخية واجتماعية متكاملة، لا يجوز اختزالها في مكوّن يلبي انتمائية الأحزاب اليمنية أو فئة أو شخص يفرض سلطته على المحافظة بوصاية القبيلة أو سلطان جبلها، بل أن القرار الحضرمي حق أصيل لأبنائها وحدهم، يجب أن يُصاغ عبر التشاور والتوافق الجامع، الذي يخدم حضرموت في تاريخها الجنوبي بعيدًا عن الإملاءات والاستقطابات وتوظيف حضرموت في صراعات لا تخدم مصالحها بل تخدم مصالح الأحزاب اليمنية التي كانت سببًا في تمزيق انتماء حضرموت عن جنوبها العربي الأصيل، الذي دائمًا ما يدعو في مساراته السياسية ومشروعه السياسي الذي تبنى نظامًا فيدراليًا يمكّن أبناء حضرموت وكل المحافظات في الجنوب من إدارة شؤونهم محافظاتهم الأمنية والإدارية والاقتصادية، وحماية ثرواتهم ومقدّراتهم، وتوجيهها لخدمة التنمية والاستقرار وتحسين مستوى المعيشة، مع التأكيد على رفض الفوضى والانفلات الأمني والتقطعات التي كانت تشجعها وتمولها قوات المنطقة العسكرية الاولى بالتخادم بين المليشيات الحوثية والإخوانية وبدعم من رئيس مجلس القيادة الرئاسي الذي عمل على تعطيل كثير من القرارات، غير أن المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس الزعيم عيدروس الزبيدي الذي كان الوحيد الذي يتبنى دعم كل الجهود الرامية إلى ترسيخ الأمن وسيادة القانون وحماية حضرموت ووحدة صفها وانتماءها الجنوبي مهما كلفنا ذلك من ثمن.
وما دعوة جماهير حضرموت
في مدينة سيئون الا محطة تاريخية لتفويض شرعية القوات المسلحة الجنوبية للتدخل في حماية تراب صحراء ووداي حضرموت الجنوبية وصون هويتها من الغزاة لم يكن الا في سبيل ترسيخ الأمن وسيادة القانون لحماية صحراء ووادي حضرموت.
ومن هنا لم يكن اللقاء محض اجتماعٍ عابر، بل كان لقاءًا مجتمعيًا وبيانًا شعبيًا شامخًا، صاغته إرادة الجميع، ونطق بلسان الجميع: إن حضرموت جذرٌ متين في شجرة الجنوب، وكل قوة تحمي أرضها هي قوة شرعية نابعة من الإرادة الشعبية، ومتفرعة من المشروع الوطني الجنوبي؛ بهدف استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية.
وثمّن اللقاء تضحيات القوات المسلحة الجنوبية ودورها في مواجهة الإرهاب وحماية الأرض وصون كرامة الإنسان، مشيدًا بالدور البطولي الذي اضطلعت به في تحرير وادي حضرموت من قبضة التنظيمات الإرهابية وداعميها، وما مثّله ذلك من تحوّل مفصلي أعاد الاعتبار للأمن والاستقرار، وأنهى سنوات من التهديد المباشر لأرواح المواطنين ومقدّراتهم.
وأكد ابناء حضرموت قاطبة ضرورة بقاء القوات المسلحة الجنوبية في مواقعها لحفظ الأمن والاستقرار، وضمان عدم عودة الإرهاب أو قوى الفوضى، لأن حضرموت صار حمايتها ليس على أبناءها وحدهم بل على ابناء الجنوب الذين أثبتوا اخلاصهم في تحريرها وتطهيرها.
وحذر أبناء حضرموت من أي محاولات تحاول النيل من شرعية قواتنا الجنوبية، أو التشكيك في دورها الوطني، وتصف تلك الأصوات الإعلامية التي تنتحل صفة حضرموت زيفًا وتحاول النيل من قواتنا المسلحة ما هي إلا أصداء خافتة لأصواتٍ غريبة، تتناغم مع أجهزة إعلام إخوانية وحوثية وشمالية، تهدف إلى شق الصف الجنوبي وزعزعة استقراره. وقد عرفهم المجتمع الحضرمي أنها أصوات تئن تحت وطأة الماضي البائد، وتتحرَّك بأجندات خارجية، تريد لحضرموت أن تكون ساحة للصراع، ولثرواتها أن تكون غنيمة للنهابين، لكن اللقاء التشاوري الحضرمي أجابها بصوت واحدٍ قويٍّ وواضح: كفى. لقد انقضى زمن الابتزاز، وولَّى عهد استلاب الإرادة، فحضرموت اليوم جنوبية الهوية والجغرافيا ولن تسمح بعد اليوم بأن يُمسَّ بسيادتها، أو يُعبَث بهويتها، تحت أي ذريعة أو ستار من قوى الاحتلال وبراثن الشر الإخواني .
لقد أكد أبناء حضرموت في لقاء أمس بكل حكمة وروية، أن الشرعية المجتمعية للقوات الجنوبية ليست قضية عسكرية أو أمنية فحسب، بل هي قضية هوية ومصير جنوبي جسده نضال مشترك، وليعلم كل إعلامي معادي انها قوات نبتت من رحم المعاناة، وترعرعت في حضن التضحيات، وتشرَّبت حب الجنوب هوية وانتماء. ويجب علينا اليوم كحضارم أولا وبقية محافظات الجنوب ثانيا أن ندعمها ونقف إلى جانبها ومساندتها والدفاع عنها من الإعلام المظلل، لأن دعمها هو دعمٌ للأمن والاستقرار، وتأييدها هو تأييدٌ للشراكة الوطنية في بناء مستقبل الدولة الجنوبية الفيدرالية العادلة، التي ستكون حضرموت فيها ركيزة أساسية وشريكاً كاملاً في القرار والثروة والمصير.
وشدد أبناء حضرموت أن حضرموت هي الجنوب، والجنوب هي حضرموت وأن أي تهديد لأمنها هو تهديد لأمن الجنوب بأكمله
كما أكد أبناء حضرموت على نطاق واسع في حق شعب الجنوب العربي في استعادة دولته، داعيًا إلى إعلان دولة الجنوب العربي الفيدرالية كإطار سياسي جامع يضمن السيادة والاستقرار، ويحمي الحقوق والثروات، ويحقق تطلعات أبناء الجنوب في الحرية والكرامة والتنمية المستدامة، ويكفل لكل محافظة إدارة شؤونها بنفسها
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، فإن رسالة أبناء حضرموت كانت واضحةً وجليَّة: إن حضرموت جنوبية الجغرافيا والهوية، وبقيادتها المجتمعية وقواها الوطنية، تقف مع التحالف العربي الداعم للشرعية الجنوبية، وتؤمن بضرورة استكمال مسيرة تحرير الجنوب واستعادة دولته.
كما وجِّه أبناء حضرموت في لقائهم التشاوري رسالةً لأشقائنا في الشمال مفادها أن الجنوب، بكل محافظاته، قد اتخذ قراره التاريخي، واختار طريق استعادة دولته، وسيظل يدافع عن هذا الخيار بكل ما أوتي من قوة وإيمان.
وفي الأخير انتصرت حضرموت اوانتصر أبناء حضرموت لحضرمية جنوبيتهم انتصاراً كاملأً، ورسَّخ شرعية قواتها الوطنية ترسيخًا راسخًا.
ومن خلال هذا فقد كتب أبناء حضرموت،، فصلًا جديدًا في سجل النضال الجنوبي، فصلًا يؤكد أن الإرادة الشعبية هي مصدر الشرعية، وأن الهوية الجنوبية هي البوصلة الثابتة، وأن الأرض التي رويت بدماء الشهداء لن يحميها سوى أبنائها المخلصين.
وناشد أبناء حضرموت من أن فجرٌ جديد سوف يبزغ من الجنوب، ويحمل في طياته وعود الاستقرار وعدالة المصير، وينذر كل من تسوِّل له نفسه العبث بهذه الأرض أو هويتها بأن مقبرة الطامعين والمحتلين ستكون هنا، في تراب الجنوب الذي لا يُهان ولا يُستباح.