إن لم يُنصَف الأكاديمي والمعلم اليوم، فأي جنوب سنبنيه غداً؟

إن لم يُنصَف الأكاديمي والمعلم اليوم، فأي جنوب سنبنيه غداً؟

قبل 12 ساعة
في بلادنا التي أثقلتها الحرب، وأرهقها انقسام الساسة والعسكر، لا تزال هناك فئة تقاوم الانطفاء بصمت، بلا سلاح، إنهم الأكاديميون والمعلمون، رجال ونساء حملوا القلم بدلاً من البندقية، ووقفوا في قاعات الكليات وفصول المدارس، يعلّمون أبناء الوطن، بينما الوطن ذاته يُدير ظهره لهم، وينظر إلى معاناتهم وكأنها شأن ثانوي أي حكومة هذه تجعل من يدرّس الطب والهندسة واللغة والتاريخ والفقه غير قادر على شراء دواء لطفله؟ أي منطق يطالبهم بالعطاء الكامل بينما يعيشون في عوز وفقر كامل؟ يتنقل الأكاديمي من محاضرة إلى أخرى، والمعلم من صف إلى صف، يزرعان القيم والوعي، بينما لا يملكان ما يسد رمق أسرهم لأسبوع واحد راتب الأكاديمي اليوم لا يتجاوز ما بين 150 و400 ريال سعودي، أما المعلم ففي الغالب دون الأكاديمي، ولا يغطي سوى أقل من 15٪ من تكاليف المعيشة الأساسية، وقد يتأخر هذا الراتب شهرين أو أكثر، في بلدٍ تتضاعف فيه الأسعار كل أسبوع، وتنهار فيه العملة كل يوم، ومع هذا كله، يُطلب منهم الاستمرار في رسالتهم كأنهم يعملون في فراغ، لا في حياةٍ لهم أسر وأبناء لقد أضربوا، نعم أضربوا، لا لأنهم دعاة فوضى، بل لأنهم لم يجدوا وسيلة أخرى للتعبير عن معاناتهم الإضراب لم يكن خيارهم الأول، بل آخر ما تبقّى من كرامة يحاولون التمسك بها، لكن الحكومة صمّت آذانها، لم تصغِ، لم تُبادر، لم تهتم، وكأن الكليات والمدارس من كماليات الحرب، لا من ضرورات بناء الدول والمؤلم أكثر، أن لا أحد من الفاعلين يمدّ يده إليهم، لا السلطات المحلية، ولا الحكومة التي تنفق ببذخ على تعيينات دبلوماسية لا يحتاج لها أحد، ولا حتى التحالف الذي يُغرق البلاد بتشكيلات عسكرية متناقضة في عقائدها وولاءاتها برواتب يدفعها بالريال السعودي، ثم يتجاهل من يزرع ضمير هذا الوطن في قاعة درس أما المنظمات الدولية، فحدث ولا حرج، تنفق ملايين الدولارات على ورش لا يخرج منها شيء، ومشاريع "بلا جدوى"، وتكتب تقارير تُرضي المانحين، لكنها لا تشتري دفتراً لطفل، ولا دواءً لمعلم٠ وها نحن على أعتاب عام دراسي جديد، أقل من شهرين يفصلاننا عنه، لكن الأكاديمي والمعلم يقفان على الحافة، مثقلان، مُرهقان، مهمّشان، ولن يدخلا قاعة أو فصلاً إذا دخلا إلا مكرهَين، ولن يزرعا في طلابهم إلا ما تبقى من قهر و خذلان و صبرٍ مهدور فكيف سينشأ جيلٌ على القيم والمعرفة، إن كان من يزرعها فيه يشعر بالظلم والخذلان؟ وأي جنوبٍ نحلم به، إن كان بناته وأبناؤه يُدرّسون على أيدي فقراء مهمشين؟ فلا جنوبٌ جديد سيُبنى بعقلٍ جائع، ولا وطنٌ يُحرس بضمير مسحوق لسنا نطلب المستحيل، بل نطالب بإعادة قيمة الراتب إلى ما كانت عليه قبل 2015م مقارنةً بالعملة الأجنبية، نطالب براتب يُقارب الحد الأدنى للعيش الكريم، وبجدولة صرف شهرية واضحة ومنتظمة، نطالب بحلٍ ولو مؤقت الآن، يُنقذ العام الدراسي 2025_ 2026م ، ويفتح الباب لحوار جاد مع النقابات، لا لقاءات شكلية تُغلق بعبارة (البلاد في وضع حرب) أو (سننظر في الأمر) فيا من في أيديكم القرار، يا من درّستم على يد أكاديميٌ أو معلمٌ ذات يوم، وعلّمكم كيف تُكتب أسماؤكم، أنصفوه، ولو لمرة واحدة، قبل أن يكتب التاريخ سقوطنا جميعاً، وإذا سقطنا ستكونوا أنتم أكثر من يخسر الأكاديمي والمعلم ليسا عبئاً؛ بل إنهما الأساس فلا تتركوهم للقهر والخذلان، ولا تضعوا كرامتهم في كفة، وقذارة السياسة في الكفة الأخرى لأنهما إن سقطا اليوم، فلن تقوم للأجيال قائمة غداً، وإن لم يُنصف المعلم والأكاديمي، فأي جنوب سنبنيه، وأي ضمير سيربى، وأي مستقبل يستحق الحياة٠

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر