كيف نقرأ ما يجري في شرق اليمن؟!

كيف نقرأ ما يجري في شرق اليمن؟!

قبل سنتين

تشهد المنطقة الشرقية من اليمن (حضرموت وشبوة على وجه التحديد ) أحداثا دراماتيكية متسارعة، ويبدو ان فهم وتفسير أسباب واهداف هذه الأحداث متباين لدى الشارع الجنوبي وعند النخب الجنوبية ايضا، والكثير من الجنوبيين يرون في تلك الأحداث ترتيبات تسبق عملية فك ارتباط الجنوب عن الشمال،  ويصرف النظر عن وجهات نظر الحنوبيين المتباينة في هذا الشان،  فالواضح ان السعودية قد وصلت الى قناعة ان الإخوان لم يعد منهم خير يرتجئ بعد ان سلكت معهم سياسية المدارأة ومحاولة كسبهم لحاجتها إليهم في معركتها مع الحوثيين بداية تدخلها باليمن، خصوصا وإن حليفها السابق صالح وقواته العسكرية وحزبه المؤتمر قد صاروا في صف عدوها الحوثيين ، لكن بعد مقتل صالح بدأت السعودية ترتب وبالتعاون مع الإمارات لتأهيل المؤتمر ليكون بديلا عن الإصلاح،  وتبني قوات طارق لتكون بديلا عن قوات محسن الأحمر،  بعدها صارت كفت المؤتمر وعائلة صالح ترجح يوما بعد يوم،  حتى بات واضحا اليوم ان قوة طارق والمؤتمر هي على الأرض اقوى بكثير من قوة الإخوان والأحمر. 
  
وإذا ما نظرنا إلى تطورات أحداث شبوة وحضرموت من هذه الزاوية، فانه يمكن اعتبار  إزاحة بن عديوي الإخواني والمجيء بالوزير المؤتمري محافظا لشبوة، ثم تحرك قوات كبيرة من العمالقة من الساحل الغربي باتجاه شبوة، يأتي ضمن هذه الإستراتيجية، وهي خطوة في طريق تعزيز مكانة  المؤتمر في شبوة، وجعلها قاعدة انطلاق العمالقة باتجاه مآرب لتحريرها، ومن ثم تسليمها الى طارق صالح كما تم في الساحل الغربي، كما يمكن ربط ما يجري في حضرموت من تطورات بما يرتب له التحالف بقيادة السعودية في المنطقة الشرقية من اليمن، فربما  يكون للسعودية يد في تحريك الشارع الحضرمي وانطلاق الهبة الحضرمية، ليوفر لها الحجة الكافية لإجراء بعض الترتيبات التي تخدم تحركها في الأيام القادمة، ومن المرجح ان يستبدل البحسني بمحافظ آخر من حزب المؤتمر الشعبي العام، او بشخصية قبلية اجتماعية تحضى بقاعدة شعبية داخل حضرموت وتحضى بثقة السعودية ايضا لتتمكن من خلالها بناء تحالفات مجتمعية مساندة داخل المجتمع الحضرمي، ليسهل عليها إدارة تحركها في الجبهة الشرقية من اليمن، ويمكن القول ان تحرك قوات العمالقة إلى شبوة الى جانب كونها عملية تهدف إلى تحرير مديريات بيحان من الحوثيين، يمكن اعتبارها ايضا عملية عسكرية استباقية من السعودية تحقق فبها غايتين : الاولى تفشل سقوط مدينة مأرب بيد الحوثيين، والثانية تفشل فيها انضمام  قوات المنطقة العسكرية الأولى المرابطة في حضرموت إلى الحوثيين، لأن سقوط مدينة مأرب بيد الحوثيين يجعل من خيار انضمام تلك القوة الى الحوثيين  في حكم المؤكد، أما في حالة تمكنت قوات العمالقة من حماية مدينة مأرب ومنعت سقوطها ومن ثم تحرير ما يمكن تحريره من محافظة مأرب وتسليمها إلى طارق،  فسيتحول ولاء افراد وضباط  المنطقة العسكرية الأولى إلى طارق بدلا عن محسن الأحمر،  وستظل مرابطة في مواقعها في محافظة حضرموت. 
 وعليه فان البناء على مايجري في حضرموت وشبوة من احداث واعتبارها ترتيبات لفك  ارتباط الجنوب عن صنعاء كما يفهم الكثير من أبناء الجنوب، هو بناء قاصر، فلربما تكون تلك الترتيبات تختص فقط بتهيئة الشروط اللازمة لايجاد بيئة مناسبة للسعودية في هذه المنطقة، تمكنها من إعادة صياغة ورسم خريطة القوى والتحالفات في الجغرافية اليمنية، لحتى تتمكن من تحقيق الاهداف التي تدخلت من أجلها في اليمن، سيما وان رؤية الرياض ترى أن من مصلحة الأمن القومي السعودي بقا اليمن موحدا يدار من مركز قرار سياسي واحد فدراليا كان او مركزيا بسيطا، لان التعامل مع مركز قرار واحد هو أفضل بكثير من التعامل مع مركزين متناقضين في القرار. 
ومع التسليم برفضية التوجه السعودي المساند لوحدة الدولة في اليمن، يظل هناك لاعب رئيس قد يفرض خيارات لا تتفق مع هذا التوجه، وهو القوى الدولية الكبرى، فهذه القوى قد تمنع إلحاق الهزيمة بالحوثيين حتى وان كان بمقدور السعودية والقوى العسكرية المحلية المناهضة للحوثين تحقيق ذلك، فالحوثيين  ليسوا اقويا بالقدر الذي يصعب هزيمتهم، وانما لان  هزيمتهم تتطلب قرار دولي، وان دخول صنعاء يرتبط بهذا القرار وليس بالقوة العسكرية التي ستدخلها، ومتى ما توفر هذا القرار فقد لا تحتاج هزيمتهم ودخول صنعاء اكثر من  شهر واحد ، وكذلك الحال فيما يتعلق بالقضية الجنوبية، وفي خيار فك الارتباط وفي شكل الدولة اليمنية، الذي يتطلب هو الآخر قرار دولي،  وليس للأطراف المحلية ولا حتى للسعودية والأطراف الإقليمية الأخرى القدرة على اتخاذ قرار معين، إنما يترك لهذه الأطراف التحرك على الأرض تحت سقف معلوم مرسوم لن تسمح القوى الدولية الكبرى (الأمريكان والانجليز خاصة ) تجاوزه، وفيما دون هذا السقف يمكن لأطراف الصراع المحلية والإقليمية في اليمن ان تتحرك وترتب أوراق لعبتها، فيما يظل طرف خيط اللعبة يمسك به الكبار فقط. 

د. حمود اليهري
27 ديسمبر 2021م

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر