الحرب الساكنة 

الحرب الساكنة 

قبل 9 أشهر
الحرب الساكنة 

بقلم / سالي العزاني

اختلفت  التعريفات  لمعنى  الوطن  ما  بين المكان  الذي  يولد  ويقيم  فيه  الإنسان  مع  جماعة من  الناس  يربطهم  تاريخ  وحدود  جغرافية،  وما  بين أنه  الشعور  الحسي  الداخلي  للفرد  بالانتماء  والولاء إلى  موطنه  دون  منازع،  كمْ فرداً  من  أبناء الوطن خلق  وتربى  وأتخذ  من  بلاد  أخرى محلا للإقامة  وزرع  فيها  فقاعة  الأمان  الخاص  به ومنهم  من  وصل  للمشاركة  في  الأطر السياسية والتشريعية  لحكومة  البلد  المقيم  فيها،  ومع  ذلك يضل  هناك  صوت  داخلي  يتردد  في  أعماق  النفس بان  الوطن  هو  (اليمن)  والحنين  وشعور  الانتماء والولاء  سيظل  فقط  موجه  لأرض  واحدة.

بالرجوع  إلى  التاريخ  نجد  أن  المنطقة  العربية مستهدفة  منذ  زمن  بعيد،  وبالنظر  إلى  تحليلات المؤرخين  لسياسة  المستعمرات البريطانية  والفرنسية  والإيطالية  حتى  الوصول إلى  الحرب  الأمريكية  على  العراق  نجد أن  أهدافهم كانت واضحة  من  استغلال  الثروات النفطية  في  المقام  الأول،  وكذلك  الموقع الاستراتيجي  لتسهيل  التبادل التجاري، ولكن  الأهم من  كشف هدف المحتل  هو  التعرف  على  الغاية الرئيسية  لما وراء فكرة خلق نظام سياسية الاحتلال على مر العصور والتي  تتمثل بصورة رئيسية في  المحاولة لمحو  النزعة  الوطنية وطمس  الهوية  والمفاهيم  الأصيلة  التي  تربط الإنسان  بوطنه  وترسخ الفكرة  التي ترى الوطنية والانتماء   شيء  ثانوي  في  نفوس  الشعوب خاصة  لدى الأجيال  الناشئة . 
لم تعد الحرب بحمل  السلاح فقط بل هناك طرق أخطر  لفرض  أشكال  الهيمنة  والغزو تصل  خطورتها  وآثارها  الجانبية  لما  يفوق  أحداث الحرب  الباردة  بين  بين المعسكرين الشرقي والغربي، وحرب الاستنزاف  بين  مصر  وإسرائيل  حيث  بات  واضحا وضوح  الشمس  للدول  التي  غايتها  الاحتلال  والغزو أن  حرب  الأسلحة  تخلف  الكثير  من  الخسائر  ماديا ومعنويا  إلى  جانب  المخاطرة  بفقد  سمعة  الدولة وقيمتها  على  الساحة  الدولية  وبالتالي  بدا  التوجه نحو  سياسة  جديدة  ومن  وجهة  نظر  شخصية أسميها الحرب  الساكنة  فهي  تشبه  إلى  حد  كبير سياسة  التسويق  المعروفة  باسم  ماركت كانابليزيشن
‏M.C  (Market  cannibalization)  او (تفكيك السوق  باستخدام البعض من البعض) بمعنى إنه تعتمد الشركات   التجارية من  حين  لآخر  تطبيق  تلك السياسة بهدف التوسع وفرض  السيطرة  في  السوق  من خلال  العمل على  تفكيك  السوق  المحلي داخليًا بحيث يظن  المستهلك أن الشركة  في  المعدل  التنازلي  للخسارة  وأنها تأكل  سوقها  ولكن  الحقيقة  هي  استراتيجية تسويقية للحصول على  حصة  أكبر وهذا بالنسبة للشركات اما للدول المحتلة فهي تقوم بزرع مجموعات مهمتهم  الإرشاد  نحو  نقاط  ضعف الشعوب  لاستغلالها وبذل جهد لخلق ثغرات بين طبقات المجتمع الواحد لتؤدي بطبيعتها في النهاية إلى التفكك وسهولة السيطرة لاحقاً بدون أي خسائر او التزامات.

ما  بين  حين  وآخر  نسمع  عن  مجموعات جديدة  بهويات  حزبية  ظاهرها  إنقاذ البلاد  والوصول  إلى  بر  الأمان  وبعد  فترة  من  الانتظار  لمعايشة  النتائج  نجد  أنه  لا  أمن ولا  أمان  ولا  استقرار  اقتصادي. وقد بدأت منذ أشهر  تنتشر أخبار  عن  سيناريوهات  مختلفة  لتقرير مصير  الوطن  من  انفصال  وتقسيم  أقاليم ووصلت  لحد  تغير  الهوية  الوطنية  بالكامل،  ليظل السؤال  البسيط  هنا: هو اين الشعب من  كل السيناريوهات المطروحة؟ واين  ذهبت  المسئولية  الجماعية تجاه الوطن والمجتمع؟ ومن  هم أصحاب  المصلحة ومتخذي القرار والمخرجين  لهذه  السيناريوهات!  كلها  اسأله دون  جواب  والسبب  أن  الطرف  الدخيل  على البلاد  أثبت  نجاحه  وبتفوق  في  التطبيق  على  أرض الواقع  لسياسةM.C

حاليًا، يعاني المجتمع  من حالة تفكك غير مسبوقه، وجوه وكيانات جديدة بملامح غير معروفة، فيما الشعب  منشغل  بتأمين  الحد  الأدنى  من  متطلبات الحياة  تارة  والتهليل حين  سماع  أنباء  لخطط إصلاح  تارة،  وهنا  اقتبس  من  كتابات  العالم الاقتصادي  المصري  جلال   أمين  حين  قال (الدعم  رشوة  من  السلطة  للناس  حتى  يقبلوا بالفساد)،  إلى متى يطول صبر بلادنا في تقبل هذا الكم الهائل من الفساد  المدسوس في إصلاح مفبرك!  في حين ان كل طبقات الشعب أصابها فيروس  الصمت والخوف من الغد، والحقيقة  أننا قد اصبحنا عاجزون عن قراءة مستقبلنا ومستقبل الوطن.

* باحثة يمنية في قضايا الهجرة الدولية

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر