شرعية غريبة

شرعية غريبة

قبل 5 سنوات

بعد سنوات عجاف من القتال يبدو الأمر بالنسبة للعاصمة اليمنية صنعاء وماحولها من مناطق الشمال الخاضعة لإدارة الحوثي، محسوماً لصالح هذه الجماعة،عسكريا،وسياسياً واجتماعيا، ولذلك فإن الحديث من جهة الشرعية اليمنية عن استعادة المدينة، ليس أكثر من نكتة سمجة يستحق مطلقها الكثير من السخرية والقليل القليل من التصديق وأخذ حديثه على محمل الجد.
خلال خمس سنوات من سيطرة الحوثيين على صنعاء وتحديداً منذ 21سبتمبر2014، استطاعوا ان يحدثوا تغييراً هائلاً على أرض الواقع، وتمكنوا من الأرض التي دانت لهم بسهولة، كما أحكموا قبضتهم على مؤسسات الدولة الهشة، والأهم انهم أحدثوا تغييراً في تركيبة المجتمع لصالح مذهبهم،مستفيدين من حاضنة شعبية تستطيع التعايش مع أي وضع جديد.
ونجح الحوثيون خلال هذه الفترة، بالترغيب حيناً والترهيب أحيانا أخرى في نشر مذهبهم، عبر عملية ضخ هائلة في المساجد ووسائل الإعلام، والأخطر عبر تعديل مناهج التعليم التي سيكون من شأنها وبعد سنوات قليلة ان تنشىء جيلاً يمنيا جديدا يحمل وعياً طائفياً يقوم على الإيمان بولاية الفقيه ويدافع عن قناعته بقوة وإيمان.
خمس سنوات اشتغل فيها الحوثيون لصالح مشروعهم بدأب لإحداث تغيير فعلي على الأرض، وفي تفكير ووعي المجتمع المحلي المحدود الثقافة أصلاً، في مقابل،انشغال الشرعية بمصالحها ودخولها في حالة سبات عميق مكتفية بين الفينة والأخرى بإطلاق وعود وشعارات كاذبة عن قدرتها وإصرارها على استعادة الدولة والشرعية فيما هي لا تملك في الواقع أي تأثير من أي نوع.
اضاعت ماتسمى الشرعية اليمنية، على نفسها وعلى اليمنيين في الشمال اليمني فرصة ذهبية وفرها لها التحالف العربي للعودة الى صنعاء، عندما اكتفت ان تتحول من سلطة يعترف بها العالم إلى مجموعة “لاجئين” في فنادق الجيران، لا هم لهم سوى الصراع على مخصصات دعم الجبهات، وتقاسم مايجود به الأشقاء من أموال لدعم الشعب الذي يتضور جوعاً، ماخلق في صفوفها طبقة من الأثرياء وتجار الحروب الذين لا يرون في الحرب إلا فيدا ومصدر ارتزاق.
واذا كانت الشرعية قد أسهمت في ضياع صنعاء من أيديها، فإن استمرار حديثها عن استعادتها، من دون وعي بحقائق الأرض التي تلعنها شمالاً وجنوباً،لا يعني سوى رغبتها في إلحاق المناطق التي طردت الحوثي وانتصرت عليه بجهدها ودماء أبنائها كمناطق الجنوب، وتمكين الحوثي من احتلالها مجدداً والسيطرة عليها من خلال استماتتها في تحويل الانتصارات المحققة إلى هزائم، عبر تعطيل الجبهات وافتعال معارك داخلية في المناطق المحررة جنوباً، نكاية بمشروع ومطامح الجنوبيين في استعادة دولتهم الجنوبية التي في حال قامت فإنها تشكل بارقة أمل للمنطقة والعالم في إحلال الأمن والاستقرار والقضاء على مطامع إيران في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
ورغم اليقين بأن شرعية هشة وهاربة، لا تستطيع إحداث تأثير حقيقي في أرض لا تحكمها كالجنوب، إلا أن أحداً لا يستطيع تحنب شرها وضررها الذي يأتي عبر استفادتها من المشروعية”الخطأ” الممنوحة لها من المجتمع الدولي الذي يتعامل معها باعتبارها مؤسسات دولة كانت قائمة.
خمس سنوات،نجح الحوثيون في الاستفادة من هشاشة خصمهم في شمال اليمن، وفشلوا في مواجهة وتمرير مشروعهم الطائفي الاحتلالي في الجنوب، وبدلاً من ان تقف الشرعية إلى جوار من انتصر لها وأعاد لها كرامتها التي مرغها الحوثي، في ليلة باردة في شوارع صنعاء، نراها تجتهد للانتقام من حليفها، الذي أعادها بدماء خيرة الشباب، وكأنها تستثمر شرعيتها لخدمة عدوها وعدو الأشقاء في التحالف الذي جاء لنجدتها واستعادة ماء وجهها، وهنا مكمن الغرابة.

صحافي من الجنوب اليمني.

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر