ليس الانتماء للوطن مجرد شعار يُرفع، أو نشيد يردد في المناسبات، بل هو إحساس راسخ في القلب يولد مع الإنسان ، ويكبر معه وينمو كلما اشتدت فيه المحن وكلما واجه وطنه الردى وشتى المخاطر . الانتماء هو أن ترى في أرضك تاريخك وفي ترابها كرامتك وفي معاناتها مسؤوليتك وواجباتك نحوها.
الوطن ليس مكاناً نسكن فيه فقط بل هو كيان يسكن فينا ، هو الأم الحانية والملاذ الآمن في دروب الحياة الموحشة إنه الهوية التي لا تتجزأ عن أرواحنا. والعمق الذي يتجذر في ذواتنا ، مكوناً ميزات ثقافتنا على امتداد التاريخ العتيق .
حين ننتمي إليه حقاً فإننا لا ننتظر المقابل بل نعطي لأننا نرى في خدمة الوطن شرفا لا يقارن، ندافع عنه بالكلمة، بالوعي، بالحق، وربما بالدم إن لزم الأمر.
المنتمي لوطنه لا يخذله إذا عصفت به رياح المخاطر والمحن والأنواء ولا يبيعه في سوق المصالح، ولا يقف متفرجاً على آلامه فالانتماء الصادق يظهر في وقت الردى، وفي الوقوف معاً لمقاومة الظلم برفع الصوت من أجل العدالة، في الإصرار على الكرامة، وفي الإيمان بأن الوطن لا يختصر في حكومة أو حزب بل في الإنسان، في الأرض، في الحلم الجمعي ببناء وطن يستوعب كل أبنائه بمختلف أطيافهم وأعراقهم وأديانهم والوانهم في تمازج فريد يعكس عظمة التعايش السلمي والتماسك الاجتماعي والقيمي الذي ميزه عن سائر شعوب الأرض شدة الانتماء.
فعندما يغيب الانتماء، تحل الخيانة، ويتحول الوطن من بيتٍ دافئ إلى ساحة يساوم فيها البعض على حساب الآخرين. أما حين يسكن الانتماء القلوب، فإن الوطن ينهض، حتى وإن كبا، ويتعافى حتى وإن جرح، لأن أبنائه يحملونه في عروقهم، ويدافعون عنه كما يدافع الجسد من أجل البقاء .
في الجنوب حيث دفع الأحرار أثماناً باهضة دفاعاً عن أرضهم وعرضهم تتجلى معاني الانتماء بأسمى صورها ليس فقط في رفع راية الجنوب الذي كفن الشهداء بها ،بل في الإصرار على الحق في الحياة ورفض كل محاولات التركيع والتهميش والذل،فالوطن الذي يسكن شغاف قلوبنا لايساوم عليه.
إلى كل من ينتمي حقاً للوطن لهذه الأرض المعطاءة التي تجود بكل أنواع النعم ،لا تيأس فالعدالة آتيه ولكن صوتك وصدقك وصمودك هو من يصنع الفرق،فلا تسمح لليأس أن يطفئ جذوة الانتماء في داخلك، تمسك بمحبة الوطن احكي للأجيال ملاحم الأبطال الذين صنعوا النصر العظيم ،وازرع فيهم قيمة مفادها أن الوطن أكبر من كل من أراد له أن يكسر.
لقد آمنا بعدالة قضيتنا وجابهنا كل التحديات المستحيلة التي وضعت أمامنا لتثنينا وتهزمنا ،لأننا شعب حر لايقهر ولا يستسلم قاوم كل أصناف المؤآمرات ،حتى أعجز أعداء الإنسانية وأصابهم بمقتل .
نعم أعجزناهم بخبثهم وأحقادهم وهانحن اليوم نلملم جراحنا ونستعيد عافيتنا شيءً فشيء لنبدأ مرحلة أخرى من النضال التي لاتقل أهمية عن حربٕ نخوضها بكل إباء على أطراف الحدود دفاعاً على حياض الوطن، إنها مرحلة عصر اللحم بالدم وعصف العقول وتشمير السواعد لاحداث إصلاحات حقيقية للوضع الاقتصادي يلمسها الإنسان الجنوبي على واقع الأرض وها نحن قد بدأنا نرمي سهامنا القاتلة إلى صدور الفساد للعمل من أجل القضاء على ثالوث التدمير الذي أصابنا ، (الفقرـالجهل ـ المرض )
نعم نقولها وبقوة الجنوب قادم لا محالة
وها نحن نشهد ملامحه بادية للعيان ترسم على كامل جغرافيته صورة جديدة مشرقة باسمة تحقق الأمان والاستقرار والرفاه الذي يستحقه وطن الشهداء، إنه وبكل فخر الجنوب العربي إحدى أعرق الحضارات على وجه الأرض .