الذكرى الـ31 لحرب اجتياح الجنوب.. يوليو بين ثنائية الانكسار والانتصار

الذكرى الـ31 لحرب اجتياح الجنوب.. يوليو بين ثنائية الانكسار والانتصار

قبل 4 ساعات
الذكرى الـ31 لحرب اجتياح الجنوب.. يوليو بين ثنائية الانكسار والانتصار
الأمين برس/تفرير

إن يوم السابع من شهر يوليو الأسود، عام 1994، سيضل عالقا في أذهان الجنوبيين، كونه أحدث جراحات لم  تندمل بمرور السنين، وسيظل نزيفه يتجدد في كل عام تلوح ذكراه، وها نحن اليوم في الذكرى الـ31 لليوم الذي اجتاحت فيه قوات نظام صنعاء أرض الجنوب بقوة السلاح، وشنت فيه حرب همجية أنهت مشروع  وحدة لم تدم أكثر من أربع سنوات،  فتحولت من مشروع وحدة قائمة على التوافق والندية إلى احتلال سياسي وعسكري  واقتصادي للجنوب تحت غطاء ما سُمي بـ"الوحدة اليمنية"،  مسنودة بفتوى تكفيرية ... نستذكر تلك الحرب الرعناء والهمجية على شعب الجنوب محمّلة بمرارة، مشحونة بمشاعر الغضب والتمسك بالحق في استعادة دولة الجنوب  كاملة السيادة فصير الجنوبيون يوليو من فعل الانكسار إلى فعل الانتصار.

 

 

*اجتياح 7/7: إسقاط مشروع الوحدة وتكريس لواقع احتلالي

 

كانت حرب صيف 1994 تتويجًا لصراع سياسي واقتصادي وعسكري بين شريكي مشروع "الوحدة اليمنية" – جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) والجمهورية العربية اليمنية (الشمال) – منذ إعلانها في 22 مايو 1990، مشروع وحدة حمل بذور أزمته منذ الإعلان ولم تكن ناتجة عن توافق شعبي حقيقي عن طريق الاستفتاء بل مشحونا بعاطفة جياشة نشأ عليها الجنوبيون وكانت شعار يدرس في المدارس متأثرا بالمد القومي أنداك.

 

ومع تصاعد الخلافات وتفجر الأزمات السياسية، وتدخل الوسطاء العرب إلا أن صالح عفاش ونظامه قد بيتوا نسف مشروع  الوحدة قبل الدخول فيها ... وهو ما  بلغ الأمر  ذروته بإعلان الحرب الشاملة على الجنوب، حيث أعلن عفاش الحرب على الجنوب في 27 أبريل 1994  ونفذها في عمران في مايو باجتياح معسكر جنوبي ... ومنها استمرت المواجهات لتصل إلى العاصمة عدن بعد تدمير واسع وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين والمنشآت الحيوية؛ استخدم نظام صنعاء فيها القوة المفرطة لقمع الجنوبيين وفتك  بالشراكة والسيادة وتسريح كل الكادر المدني والعسكري إلى أن وضعت الحرب أوزارها في 7/ 7 / 1994..

 

وأظهرت تلك الحرب بما لا يدع مجالًا للشك أن مشروع "الوحدة" المفروضة بالقوة هي احتلال مقنّع، وأن إرادة شعب الجنوب قد جرى سحقها تحت جنازير الدبابات الشمالية، وسرعان ما تم فرض سلطة مركزية، همّش الكوادر الجنوبية، وصادر الممتلكات العامة والخاصة، ودمج المؤسسات الجنوبية في كيان الشمال دون أي اعتراف بحقوق الشراكة أو الخصوصية فكان الفارق بين ثقافتين متباينتين تماما.

 

تداعيات الحرب على الجنوب: تهميش، نهب، ومقاومة متصاعدة

 

ما بعد 7 يوليو 1994 كان كارثيًا على الجنوب في مختلف الأصعدة. فبدلًا من بناء دولة موحدة على أسس عادلة، مارس نظام صنعاء سياسة ممنهجة لتهميش الجنوب وإقصاء أبنائه من مؤسسات الدولة؛ مارس عمليات الاغتيال بحق كوادره وشُرّد الآلاف من العسكريين والمدنيين، وتمت مصادرة الأراضي العامة والخاصة، كما تم العبث بالهوية الثقافية والمؤسسية للجنوب.

 

أما على المستوى الاقتصادي، فقد شهد الجنوب نهبًا منظمًا لثرواته، وخاصة النفطية منها، وتحولت محافظاته إلى مناطق مستنزفة لصالح شخصيات قبلية شمالية حاكمة. أُغلقت المؤسسات الإنتاجية، وانتشرت البطالة، وتراجعت الخدمات الأساسية، ما فاقم من معاناة المواطنين ودفعهم إلى التمرد في أشكال من الكفاحات السلمية والمسلحة لاحقًا.

 

وفي الجانب السياسي، أصبح الجنوب أشبه بمستعمرة داخل دولة موحدة اسمًا فقط. وتم استخدام القوة لقمع أي أصوات جنوبية تطالب بالحقوق أو الشراكة. وظل الجنوبيون لعقود يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، دون تمثيل حقيقي، ودون اعتراف بمظلوميتهم السياسية والتاريخية.

 

وبرغم كل محاولات الإخضاع، لم تنكسر إرادة شعب الجنوب؛ فقد ولد من ليل المعاناة فجر حركة "المقاومة الشعبية"، بدأت سلمية عبر الاعتصامات والمظاهرات، وكان الانكسار في مايو. والانتصار والانطلاق المنظم في 7/ 7/ 2007.... بإعلان الحراك السلمي، وتطورت لاحقًا إلى حراك جنوبي واسع النطاق رفع شعار "استعادة دولة الجنوب"، وهو ما مهد الطريق، لنجاح "المقاومة الجنوبية" في صد وطرد الغزو الشمالي الثاني 2015، ثم تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي ككيان سياسي يمثل تطلعات الجنوبيين في تقرير مصيرهم واستعادة دولتهم.

 

*اليوم.. مشروع استعادة دولة الجنوب يلوح في الأفق

 

اليوم، وبعد 31 عامًا على اجتياح 7/7، يقف شعب الجنوب على أعتاب مرحلة جديدة. فقد تغيّر المشهد السياسي والعسكري بشكل جذري، ونجحت القوات المسلحة الجنوبية، بفضل تضحيات الشهداء والجرحى، في إفشال مشروع الهيمنة والسيطرة، وقد لعب المجلس الانتقالي الجنوبي دورًا محوريًا في توحيد الصف الجنوبي وبناء مؤسسات سياسية وأمنية تمهد لاستعادة الدولة.

 

تمكنت القوات المسلحة الجنوبية، بفضل خبرتها ومهنيتها، من تأمين محافظات الجنوب وطرد عناصر الإرهاب والجماعات المتطرفة، كما شكلت صمّام أمان في معركة الدفاع عن الأرض والكرامة.... أما سياسيًا، بات المجلس الانتقالي ممثلًا شرعيًا لقضية شعب الجنوب في مختلف المحافل، بعد أن فرض حضوره في اتفاق الرياض والمشاورات السياسية، ونجح في إيصال صوت شعب الجنوب إلى المجتمعين الإقليمي والدولي.

 

إن ذكرى 7 يوليو لم تعد مجرد محطة انكسار في ذاكرة شعب الجنوب، بل تحوّلت إلى منارة تذكّر الجميع بأن ما بُني على القوة لا يدوم، وأن إرادة الشعوب لا تُقهر، فشعب الجنوب اليوم أكثر وعيًا وتنظيمًا وأكثر تمسكًا بحقه في استعادة دولته، بعيدًا عن مشاريع الدمج القسري والهيمنة.

 

وفي هذه اليوم، يجدد المجلس الانتقالي الجنوبي العهد لشعب الجنوب بأن مشروع الاستقلال ماضٍ، وأن معركة التحرير لم تعد مؤجلة، بل تتقدم بثبات رغم التحديات. كما يدعو شعب الجنوب إلى التكاتف ورص الصفوف من أجل تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في استعادة دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة على كامل السيادة والتصدي لكل من يتربص بغية إحداث انقسام جنوبي - جنوبي.

 

ستظل ذكرى 7/7 محطة مفصلية في تاريخ الجنوب، شاهدة على جريمة غزو ممنهجة، وعلى بداية مشوار طويل من النضال والمقاومة والصمود. ومع كل عام يمر، تترسخ قناعة شعب الجنوب بأن استعادة دولته ليست حلماً، بل استحقاقًا تاريخيًا لا تراجع عنه.

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر