الأمين برس

2025-12-25 00:00:00

ما بعد الفوضى.. استعادة دولة الجنوب ضمانة للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي

اخبار وتقارير
2025-12-24 22:34:02

لم تعد قضية شعب الجنوب مجرد ملف داخلي أو قضية حقوقية يمكن تأجيلها أو احتواؤها بحلول سياسية مؤقتة فقد تجاوزت هذا الإطار لتصبح اليوم في قلب معادلة الأمن الإقليمي والدولي.

 

 

إن عقوداً من الفوضى، وتفكك بنية الدولة المركزية في اليمن، وتصاعد التهديدات في أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، كلها عوامل أعادت الجنوب إلى صدارة المشهد، ليس كجزء من الأزمة، بل كحجر زاوية في أي حل مستدام.

 

لم يعد استعادة دولة الجنوب، التي كانت قائمة ومعترف بها دولياً قبل عام 1990، خياراً انفصالياً كما يروج له الخصوم، بل أصبح ضرورة استراتيجية تفرضها الوقائع على الأرض، وتتقاطع مع المصالح الحيوية للقوى الإقليمية والعالمية التي تسعى إلى تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

 

هذا التحليل المعمق، الذي يتبنى وجهة نظر شعب الجنوب وتطلعاته المشروعة، يهدف إلى تفكيك الأبعاد الاستراتيجية التي تجعل من استعادة الدولة الجنوبية المستقلة ضمانة حقيقية للأمن والاستقرار، ليس فقط لشعب الجنوب، بل للمنطقة والعالم بأسره.

 

 

*حتمية الجغرافيا – الجنوب كصمام أمان للتجارة العالمية

 

 

 

يقع الجنوب على ضفاف مضيق باب المندب، الذي لا يعد مجرد ممر مائي، بل هو أحد أهم شرايين الاقتصاد العالمي حيث تمر عبر هذا المضيق نسبة كبيرة من التجارة الدولية، تقدر بنحو 25 ألف سفينة سنوياً، أي ما يمثل حوالي 7% من الملاحة العالمية. الأهم من ذلك، أنه ممر حيوي لنقل الطاقة، حيث تعبره ملايين براميل النفط يومياً من الخليج العربي باتجاه أوروبا وأمريكا الشمالية عبر قناة السويس وأي تهديد لهذا المضيق لا ينعكس فقط على دول المنطقة، بل يهز استقرار الأسواق العالمية بأسرها، ويؤثر على أسعار الطاقة والتأمين وسلاسل الإمداد الدولية.

 

 

لقد أثبتت السنوات الماضية، وتحديداً منذ انهيار الدولة المركزية وتمدد نفوذ الميليشيات، أن غياب سلطة جنوبية قوية ومسؤولة حوّل هذا الشريان الحيوي إلى "خاصرة رخوة" واستُخدم المضيق كورقة ضغط سياسي وأمني، وتعرضت الملاحة فيه لتهديدات متكررة من قبل جماعات إرهابية وقوى إقليمية تسعى لفرض أجنداتها.

 

 

هذا الفراغ الأمني خلق حالة من عدم اليقين، ورفع تكاليف الشحن والتأمين، وأجبر بعض الشركات على سلوك طرق أطول وأكثر تكلفة حول رأس الرجاء الصالح.

 

 

إن استعادة الدولة الجنوبية تعني ملء هذا الفراغ الاستراتيجي بكيان سياسي واضح، يمتلك الشرعية الشعبية والقدرة العسكرية على الأرض. دولة جنوبية مستقلة ستتعامل مع أمن باب المندب ليس كورقة مساومة، بل كمسؤولية وطنية ودولية، لأن استقرارها وازدهارها الاقتصادي مرتبطان بشكل مباشر بأمن هذا الممر ووجود قوات جنوبية وطنية، من أبناء المنطقة، تدرك أهمية تأمين سواحلها ومياهها الإقليمية، هو الضمانة الأكثر فاعلية وموثوقية لحماية هذا الشريان العالمي.

 

 

 

*الساحل الجنوبي عمق استراتيجي للأمن البحري

 

 

 

تمتد حدود الجنوب البحرية على مسافة تقارب 1800 كيلومتر، من باب المندب غرباً إلى الحدود مع سلطنة عمان شرقاً، مطلة على خليج عدن والبحر العربي. هذا الساحل الطويل لا يمثل فقط واجهة بحرية، بل هو عمق استراتيجي للأمن الإقليمي. في ظل الفوضى وغياب الدولة، تحولت هذه السواحل إلى مسرح مفتوح لعمليات التهريب بكافة أشكالها: تهريب الأسلحة، والمخدرات، والبشر، بالإضافة إلى تسلل العناصر الإرهابية.

 

 

لقد أظهرت القوات الجنوبية، مثل قوات الحزام الأمني والنخب الشبوانية والحضرمية، قدرة فائقة على تأمين أجزاء واسعة من هذا الساحل حين أتيحت لها الفرصة ونجاحها في الحد من عمليات التهريب وتأمين الموانئ الحيوية مثل عدن والمكلا، يؤكد أن وجود دولة جنوبية قادرة ومجهزة هو الحل الجذري لهذه المشكلة.

 

فالدولة الجنوبية المستقلة ستمتلك الدافع والمصلحة المباشرة في بناء قوات خفر سواحل قوية، وتطوير أنظمة مراقبة متقدمة، والتعاون بشكل فعال مع الشركاء الدوليين لمكافحة الجريمة المنظمة في البحر. هذا الأمر لا يخدم الجنوب وحده، بل يخدم دول الجوار في الخليج والقرن الأفريقي، ويساهم في تجفيف أحد أهم مصادر تمويل الجماعات الإرهابية وزعزعة الاستقرار

 

 

*الجنوب شريك موثوق

 

 

على مدى العقدين الماضيين، شكّل الجنوب ساحة المواجهة الأكثر شراسة مع أخطر فروع تنظيم القاعدة في العالم، وهو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

 

استغل التنظيم حالة الفوضى والضعف التي خلفتها سياسات الدولة المركزية الفاشلة ليتمدد ويسيطر على مدن بأكملها، مثل المكلا في حضرموت وأجزاء واسعة من أبين وشبوة ولم يكن هذا التمدد يستهدف الجنوبيين فقط، بل كان يهدف إلى تحويل الجنوب إلى منصة لتهديد الممرات البحرية الدولية ودول الجوار، وتحديداً المملكة العربية السعودية.

 

في مواجهة هذا الخطر الوجودي، برزت القوات الجنوبية كقوة وحيدة وفعالة على الأرض. ففي الوقت الذي كانت فيه مؤسسات الدولة المركزية تنهار أو تتواطأ، كانت القوات الجنوبية، بدعم من التحالف العربي وتحديداً دولة الإمارات العربية المتحدة، تخوض معارك ضارية لتحرير أراضيها.

 

عمليات مثل "السهم الذهبي" لتحرير عدن، وتحرير المكلا عام 2016، وعمليات "سهام الشرق" و"سهام الجنوب" في أبين وشبوة، لم تكن مجرد انتصارات عسكرية، بل كانت ضربات استراتيجية قاصمة أدت إلى تفكيك بنية التنظيم وتقليص نفوذه بشكل كبير. لقد أثبتت هذه القوات أنها الأكثر دراية بالجغرافيا والأكثر قبولاً من الحاضنة الشعبية، وهما عاملان حاسمان في أي حرب ضد جماعات إرهابية.

 

 

*منظومة مؤسسية دائمة

 

 

 

إن نجاحات القوات الجنوبية في مكافحة الإرهاب، رغم أهميتها، ظلت جهوداً تفتقر إلى الغطاء المؤسسي والدعم المستدام الذي لا يمكن أن توفره إلا دولة.

 

استعادة الدولة الجنوبية ستحول هذه الجهود من عمليات عسكرية تكتيكية إلى استراتيجية وطنية شاملة ومستدامة فالدولة المستقلة ستبني مؤسسات أمنية واستخباراتية وعسكرية احترافية، وتضع قوانين وتشريعات لمكافحة الإرهاب وتمويله، وتعمل على معالجة جذوره الفكرية والاقتصادية والاجتماعية.

 

إن المجتمع الدولي، الذي ينفق المليارات في الحرب على الإرهاب، سيجد في الدولة الجنوبية شريكاً طبيعياً وموثوقاً.

 

 

دولة تمتلك الإرادة السياسية والقدرة الميدانية لمواجهة هذا الخطر، وتشارك العالم نفس الهدف في القضاء على التطرف. ودعم قيام هذه الدولة ليس مجرد دعم لمطلب شعبي، بل هو استثمار مباشر وذكي في الأمن الإقليمي والعالمي، وتحويل الجنوب من مصدر قلق أمني إلى حصن منيع ضد الإرهاب.

 

 

*انهيار مشروع الوحدة

 

 

 

لم تكن الوحدة اليمنية التي قامت في 22 مايو 1990 نتيجة استفتاء شعبي أو دراسة متأنية، بل كانت قراراً سياسياً فوقياً بين نظامين. ومع ذلك، حمل الجنوبيون أملاً في بناء دولة شراكة وعدالة. لكن هذا الأمل تبدد سريعاً مع بدء سياسات الإقصاء والتهميش، وبلغ ذروته في حرب صيف 1994، التي شنها نظام صنعاء على الجنوب.

 

لم تكن تلك الحرب مجرد صراع سياسي، بل كانت غزواً عسكرياً شاملاً هدف إلى كسر إرادة الجنوب وفرض واقع جديد بالقوة.

 

لقد أنهت حرب 1994 مشروع الوحدة من أساسه، وحولتها من شراكة إلى ضم وإلحاق. تبعتها عملية ممنهجة لتفكيك مؤسسات الدولة الجنوبية المدنية والعسكرية، وتسريح عشرات الآلاف من الكوادر الجنوبية، ونهب الثروات الطبيعية، ومصادرة الممتلكات. هذا الظلم التاريخي خلق جرحاً عميقاً وشعوراً بالغبن لدى شعب الجنوب، وأدى إلى ولادة "الحراك الجنوبي السلمي" عام 2007، بحق تقرير المصير واستعادة الدولة.

إن تجاهل هذا المسار التاريخي من الظلم هو قفز على الحقائق، ومحاولة لفرض حلول لا تستند إلى أي أساس من العدالة أو الواقعية.

 

*فشل الدولة المركزية: نموذج غير قابل للحياة*

 

إن ما يزيد عن ثلاثة عقود من الوحدة أثبتت فشلاً ذريعاً للدولة المركزية في صنعاء في بناء نموذج وطني جامع.

لقد تحولت الدولة إلى أداة في يد شبكات النفوذ القبلية والدينية والفساد، وعجزت عن توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة لمواطنيها، سواء في الشمال أو الجنوب. هذا الفشل البنيوي ليس مجرد خلل إداري، بل هو أزمة عميقة في مفهوم الدولة نفسه.

 

لقد أدى هذا الفشل إلى انهيار الدولة بشكل شبه كامل، وسمح بصعود الميليشيات والجماعات المسلحة، وعلى رأسها ميليشيا الحوثي التي اجتاحت العاصمة صنعاء عام 2014.

الحديث اليوم عن إعادة بناء "اليمن الموحد" في ظل هذه المعطيات هو حديث غير واقعي.

 

فالدولة التي فشلت في أوقات السلم، من المستحيل أن تنجح بعد كل هذه الحروب والانقسامات العميقة.

 

لذلك، فإن استعادة الدولة الجنوبية ليست دعوة لتفتيت اليمن، بل هي اعتراف بواقع أن التفتيت قد حدث بالفعل نتيجة فشل المركز. إنها دعوة إلى حل واقعي يقوم على أساس دولتين جارتين، تتعاونان على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، بدلاً من فرض وحدة قسرية أثبتت أنها مصدر دائم للفوضى والصراع. إن حل الدولتين هو الطريق الأقصر والأكثر واقعية لتحقيق السلام المستدام في المنطقة.

 

 

*الأبعاد الاقتصادية

 

 

 

يمتلك الجنوب موارد اقتصادية ضخمة ومتنوعة، لو تم استغلالها بشكل صحيح، لكفلت له تحقيق الاكتفاء الذاتي والازدهار، ولجعلته مساهماً فاعلاً في الاقتصاد الإقليمي. تتركز غالبية الثروة النفطية والغازية في محافظات الجنوب، وتحديداً حضرموت وشبوة، حيث تشير التقديرات إلى وجود احتياطيات كبيرة لم تستغل بعد. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك الجنوب ثروة سمكية هائلة على طول ساحله الممتد، والتي تعرضت للاستنزاف والجرف غير القانوني في ظل غياب الرقابة.

 

لكن الأهم من الموارد الطبيعية، هي الموانئ الاستراتيجية. ميناء عدن، بموقعه الطبيعي الفريد، مؤهل ليكون أحد أكبر موانئ إعادة الشحن والمناولة في العالم، ومنافساً قوياً للموانئ الكبرى في المنطقة.

ميناء المكلا وميناء نشطون في المهرة يمثلان بوابات حيوية للتجارة مع القرن الأفريقي والمحيط الهندي. هذه الإمكانيات ظلت معطلة لعقود بسبب سياسات التهميش المتعمدة، والفساد، وغياب الإرادة السياسية لتطويرها، حيث تم تحويلها إلى مجرد أدوات للنهب المنظم بدلاً من أن تكون محركات للتنمية.

 

 

*دولة برؤية اقتصادية

 

 

 

إن استعادة الدولة الجنوبية ستطلق العنان لهذه الإمكانيات الاقتصادية الهائلة. فالدولة المستقلة ستضع رؤية اقتصادية وطنية تقوم على أسس حديثة من الشفافية، والحوكمة الرشيدة، ومكافحة الفساد وستعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال توفير بيئة قانونية وتشريعية مستقرة وآمنة.

كما إن إعادة تأهيل وتطوير ميناء عدن وحده كفيل بخلق آلاف فرص العمل، وتحويل المدينة إلى مركز لوجستي ومالي عالمي، مما يعود بالنفع ليس فقط على الجنوب، بل على حركة التجارة العالمية.

 

علاوة على ذلك، ستمكن الدولة الجنوبية من إدارة مواردها النفطية والغازية بشفافية، وتوجيه عائداتها نحو مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، بدلاً من أن تذهب إلى جيوب الفاسدين.

 

 

هذا التحول سيحول الجنوب من منطقة تعتمد على المساعدات إلى شريك اقتصادي منتج، يساهم في استقرار أسواق الطاقة، ويوفر فرصاً حقيقية للتكامل الاقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي والقرن الأفريقي وهذا الاستقرار السياسي الذي ستوفره الدولة هو الشرط الأساسي لأي نهضة اقتصادية مستدامة، وهو ما يمثل مصلحة مباشرة للإقليم والعالم.

 

 

*الهوية الجنوبية

 

 

 

إن مطلب استعادة الدولة الجنوبية لا ينبع فقط من المظالم السياسية والاقتصادية، بل يستند إلى مسار تاريخي وهوية ثقافية واجتماعية متمايزة تشكلت عبر قرون.

 

قبل عام 1990، كان الجنوب كياناً سياسياً مستقلاً ومعروفاً باسم "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، وعضواً في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. وقبل ذلك، كان يتكون من مجموعة من السلطنات والمشيخات التي ارتبطت بمعاهدات مع بريطانيا، ولكنها حافظت على هياكلها الإدارية والاجتماعية الخاصة.

 

هذا التاريخ المستقل أفرز نظاماً قانونياً وإدارياً وتعليمياً مختلفاً عن الشمال. ففي الجنوب، تم بناء دولة مدنية حديثة نسبياً، ذات مؤسسات وقوانين، بينما كان الشمال محكوماً بنظام قبلي-ديني مغلق.

 

 

هذه الفوارق لم تكن سطحية، بل شكلت وعياً وهوية وطنية جنوبية خاصة، لها رموزها وتاريخها وتطلعاتها.

 

بفعل موقعه الجغرافي كبوابة بحرية، تشكلت في الجنوب، وخصوصاً في عدن وحضرموت، ثقافة مدنية منفتحة على العالم، متسامحة مع التنوع الديني والثقافي وكانت عدن مدينة "التنوع" تعيش فيها جنسيات وديانات مختلفة في وئام وهذا الإرث الثقافي المدني يتعارض بشكل صارخ مع الثقافة القبلية المنغلقة التي فرضتها نخب صنعاء بعد عام 1994.

 

إن محاولة طمس هذه الهوية الجنوبية وفرض هوية أحادية بالقوة كان أحد الأسباب الجذرية لفشل مشروع الوحدة فقد شعر الجنوبيون أنهم لا يفقدون فقط ثرواتهم وحقوقهم السياسية، بل يفقدون هويتهم وتاريخهم ونمط حياتهم. لذلك، فإن استعادة الدولة الجنوبية هي أيضاً استعادة لهذه الهوية، وحماية لهذا الإرث الثقافي والحضاري، وبناء دولة حديثة تتوافق مع تاريخ شعبها وتطلعاته نحو المدنية والانفتاح.

 

 

*شرعية تقرير المصير

 

 

إن مطلب شعب الجنوب في استعادة دولته ليس مجرد رغبة سياسية، بل هو حق أصيل تكفله مبادئ القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة.

ينص الميثاق الأممي بوضوح على "مبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب وحقها في تقرير مصيرها بنفسها". وقد تم تفصيل هذا الحق في العديد من القرارات الدولية، وأبرزها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 (إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة).

 

ما تعرض له الجنوب منذ حرب 1994 من غزو عسكري، ونهب للثروات، وإقصاء سياسي، وتهميش ممنهج، يوفر أساساً قانونياً قوياً لتطبيق هذا المبدأ ويدعم بكل وضوح مطالب شعب الجنوب في تقرير مصيره واستعادة الدولة الجنوبية.

 

*الوحدة عقد تم نقضه

 

 

 

من منظور قانوني آخر، يمكن النظر إلى اتفاقية الوحدة عام 1990 كعقد سياسي بين دولتين مستقلتين ذاتي سيادة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية). هذا العقد كان قائماً على مبادئ الشراكة والمساواة. وعندما قام أحد الطرفين (نظام صنعاء) بشن حرب على الطرف الآخر عام 1994، وفرض واقعاً جديداً بالقوة، فقد نقض هذا العقد من جانب واحد وألغى أساسه القانوني والأخلاقي. وبالتالي، فإن الطرف المتضرر (الجنوب) يصبح في حِلّ من هذا العقد، ويحق له العودة إلى وضعه القانوني الذي كان قائماً قبل إبرامه، أي دولة مستقلة ذات سيادة.

 

 

*سيناريوهات المستقبل

 

 

 

إن دعم المجتمع الدولي لخيار استعادة الدولة الجنوبية سيفتح الباب أمام سيناريو إيجابي للمنطقة بأسرها. سيؤدي ذلك إلى قيام دولة مسؤولة في الجنوب، قادرة على تأمين الملاحة الدولية وبناء قوات بحرية وخفر سواحل قوية لحماية باب المندب وخليج عدن بشكل كامل، مما يعزز أمن التجارة العالمية.

 

 

كما ستكون دولة الجنوب العربي شريك فعال ضد الإرهاب من خلال بناء مؤسسات أمنية قوية تقضي على ما تبقى من جيوب الإرهاب وتمنع عودته، مما يحمي أمن دول الجوار والعالم.

ستقوم الدولة الجنوبية بجذب الاستثمارات لتطوير الموانئ والموارد الطبيعية، مما يخلق فرص عمل ويحول الجنوب إلى مركز اقتصادي إقليمي.

 

كما ستعمل على بناء علاقات جوار متوازنة وإقامة علاقات سلمية ومستقرة مع جارتها الشمالية على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مما ينهي الصراع المزمن.

 

 

*سيناريو فرض الوحدة

 

 

 

في المقابل، إن الإصرار على فرض "الوحدة" بالقوة أو عبر تسويات سياسية هشة تتجاهل إرادة الجنوبيين، سيؤدي حتماً إلى استمرار سيناريو الفوضى الحالي:

سيواصل الجنوبيون مقاومتهم للواقع المفروض عليهم، مما يعني استمرار الحرب الأهلية وعدم الاستقرار لعقود قادمة.

 

في ظل فراغ أمني ستظل الدولة المركزية الفاشلة عاجزة عن بسط سيطرتها، مما يترك الساحة مفتوحة للجماعات الإرهابية والميليشيات لتهديد أمن الممرات المائية ودول الجوار.

ستظل الثروات معطلة أو عرضة للنهب، وستستمر الأزمة الإنسانية في التفاقم، وسيبقى الجنوب والشمال عبئاً على المجتمع الدولي.

 

إن المقارنة بين السيناريوهين توضح بشكل جلي أن خيار الدولة الجنوبية ليس مجرد مطلب عادل، بل هو الخيار الأكثر عقلانية وواقعية لتحقيق الأمن والاستقرار.

 

 

*طريق استقرار دائم

 

 

 

إن مجمل المعطيات الجيوسياسية والأمنية والتاريخية والقانونية والاقتصادية تؤكد حقيقة واحدة: استقرار الإقليم يبدأ من استقرار الجنوب. استمرار تجاهل حق شعب الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته المستقلة يعني إدامة حالة الفوضى، وترك باب المندب والساحل الجنوبي رهينة للتهديدات، وإعطاء فرصة دائمة للجماعات الإرهابية لإعادة تنظيم صفوفها.

 

إن الدولة الجنوبية، كما يطرحها شعبها وممثله المجلس الانتقالي الجنوبي، ليست مشروع حرب أو فوضى، بل هي مشروع سلام واستقرار. دولة مؤسسات، ذات حدود واضحة، تحترم القانون الدولي، وتتعاون مع جيرانها والعالم لحماية المصالح المشتركة. دولة قادرة على تأمين أهم ممرات التجارة العالمية، ومحاربة الإرهاب بفاعلية، وتحويل مواردها المعطلة إلى محرك للتنمية والازدهار.

 

إن على المجتمع الدولي وصناع القرار في المنطقة والعالم أن يدركوا أن دعم قيام الدولة الجنوبية ليس انحيازاً لطرف ضد آخر، بل هو انحياز للمنطق والواقعية والمصلحة المشتركة. إنه الاستثمار الأكثر أماناً وفاعلية في مستقبل مستقر وآمن لواحدة من أكثر مناطق العالم حساسية وتأثيراً.

لقد حان الوقت للاعتراف بأن الطريق إلى استقرار الإقليم لا يمر عبر فرض حلول وحدوية فاشلة، بل عبر تمكين شعب الجنوب من بناء دولته الحرة والمستقلة.

 

https://www.alameenpress.info/news/55478
You for Information technology