الأمين برس

2025-09-20 00:00:00

مجلس القيادة الرئاسي.. بين تعطيل العليمي وإصلاحات الزبيدي

لقاءات وتحقيقات
2025-09-19 22:46:48

أ-مقدمة

مجلس القيادة الرئاسي تجربة انتقالية بُنيت على قاعدة المناصفة بين الجنوب والشمال على أن تدار وفقا ومبدأ الشراكة التوافقي إلا أن هذه التجربة واجهت منذ البداية أزمة قيادة خفية بفعل تعطيل العليمي لمهام المجلس منذ البداية نتيجة لانفراده باتخاذ القرارات طيلة أربعة أعوام على حساب الطرف الجنوبي الأمر الذي دفع بالرئيس الزبيدي إلى إصدار بعض القرارات البسيطة بهدف إحداث حالة من التوافق تعيد عملية التوازن إلى المجلس المعطل الذي تبين ذلك من خلال بيانه الصادر في ١٨/٩/٢٠٢٥

والمتضمن المراجعة القانونية لكمية كبيرة من القرارات التعطيلية التي اتخذها العليمي خلال أربعة أعوام ومعها القرارات الإصلاحية البسيطة التي اتخذها الرئيس الزبيدي في سبتمبر ٢٠٢٥ .

قد يضن البعض أن ما حدث هو خلاف إجرائي إلا أنه خلاف يُخفي صراعًا سياسيًا أعمق بين نمطين بممارسة السلطة :

١-نمط مركزي غامض ومعطل يقوده العليمي

٢-ونمط ميداني مصلح يتبناه عيدروس الزبيدي.

تهدف الدراسة إلى تحليل أبعاد الأزمة الأخيرة داخل مجلس القيادة الرئاسي من خلال تفكيك السياقات السياسية والقانونية التي تحكم سلوك أطرافها وتسليط الضوء على مسار التوافق الذي تم تعطيله تدريجيًا من قبل الرئيس العليمي مما أدى إلى انفجار الأزمة الحالية المتناوله بالتحليل على النحو الآتي :

 

أولا-الخلفية السياسية لتشكيل المجلس الرئاسي

تأسس المجلس الرئاسي وفق القرار الرئاسي رقم (٩) لعام ٢٠٢٢ كنموذج قيادة جماعية لإدارة المرحلة الانتقالية في اليمن شريطة أن يقوم على مبدأ التوافق في اتخاذ القرار ويشمل تمثيلًا متوازنًا للقوى السياسية والعسكرية الفاعلة على الأرض بما في ذلك ممثلين بالمناصفة بين الجنوب والشمال وقد نصّت الآلية التنفيذية للمجلس على أن القرارات تُتخذ بالتشاور الكامل وفقا ومبدأ التوافق وأي مساس بهذا المبدأ يُعد تقويضًا لبنية الشراكة التي بُني عليها المجلس.

 

ثانيا-جوهر الإشكالية :

يكمن في تعطيل الرئيس العليمي للمجلس ومبادرة الرئيس الزبيدي لإنقاذ المجلس من الإنهيار بفعل تدمير العليمي للشراكة ومن ذلك نلحظ الآتي:

١-تعطيل القيادة : وتتمثل في سلوك رشاد العليمي كنموذج سلطة مركّزية فمنذ توليه رئاسة المجلس اتّبع العليمي نهجًا إداريًا بيروقراطيًا قائمًا على التحكم في المؤسسات من الخلف دون الإفصاح عن توجهات استراتيجية واضحة لا في الملف السياسي ولا في إدارة شؤون التحالف أو حتى في التعاطي مع القوى الإقليمية كما تُظهر المؤشرات أن العليمي أنفرد بالقرارات لأكثر من عامين وأفرغ مبدأ التوافق من مضمونه عبر إصدار قرارات تعيين وتكليفات دبلوماسية وإدارية جزء كبير منها مخفية ودون العودة لأعضاء المجلس مستفيدًا من الغموض الإجرائي داخل بنية القرار التنفيذي هذا النمط من القيادة سمح له بإدارة المجلس بصمت على حساب الشراكة التي تحولّت إلى واجهة شكلية.

٢-إنقاذ الشراكة :

في المقابل مثّل الرئيس عيدروس الزبيدي اتجاهًا صريحًا في إدارة دوره داخل المجلس فعلى الرغم من التزامه طويلًا بإطار التوافق إلا أن استمرار تهميش المجلس وعدم المشاركة الجمعية في صنع القرار دفعه إلى اتخاذ خطوات إصلاحية بهدف إعادة الحياة إلى المجلس المعطل من خلال إصدار تعيينات بسيطة في قطاعات مرتبطة بنطاقه الإداري والأمني في الجنوب دون التدخل في الإطار التابع للآخر .

-الزبيدي صرح علنا بأن تحركاته ليست انقلابًا على الشراكة بل بحثا عن شراكة قابلة للحياة .

 

ثالثا-تحليل البيان الصادر عن المجلس في ١٨/سبتمبر ٢٠٢٥م .

جاء بيان مجلس القيادة الرئاسي الأخير كرد فعل على قرارات العليمي التعطيلية خلال أربع سنوات وخاصة الغامض منها ومقارنتها بقرارات الزبيدي الإصلاحية الطارئة التي أتت كرد فعل طبيعي على حالة التهميش التي يمارسها العليمي ضد المجلس وما تم تكليف الفريق القانوني بمراجعة تلك التعيينات وفتح ملفات تعود إلى بداية تشكيل المجلس للمراجعة إلا خير دليل على ذلك .

إلا أن القراءة السياسية للبيان تُظهر الآتي :

١-البيان لم يُصدر باسم الرئيس وحده بل باسم المجلس مما قد يُخفي تدخّلًا رئاسيًا مموّهًا وهو ما ينبغي الاحتراس منه .

٢-توقيت البيان يتزامن مع تصاعد الدعوات داخل الجنوب لإعادة ضبط العلاقة بين مجلس الرئاسة وممثلي الجنوب.

٣-الإحالة القانونية تُستخدم هنا كأداة للتهدئة الشكلية إلا أنها قد تحمل في طياتها نوايا لمحاولات تقويض التحركات التصحيحية للرئيس للزبيدي وهو ما ينبغي أخذه بالحسبان .

 

رابعا-القراءة القانونية والسياسية للمشهد:

١-من الناحية القانونية:

قرارات الزبيدي لا تبدو مخالفة لإجراءات التوافق لأن السياق الذي صدرت فيه يُثبت بأن مبدأ التوافق قد تم تعطيله مؤسسيًا منذ أكثر من عامين بفعل إنفراد العليمي بالقرارات الأحادية القاتلة للشراكة

٢-الإحالة القانونية.

إن التعامل مع قرارات الرئيس الزبيدي الإصلاحية المحدودة الطارئة مرهونة في التعامل مع مئات القرارات التعطيلية الصادرة عن الرئيس العليمي طيلة أربعة أعوام والمفارقة شاسعة بين الحالتين (التعطيلية والإصلاحية).

٣-من الناحية السياسية:

إن تحركات الزبيدي الإصلاحية قد وضعت حدا لإطالة الخلاف الذي أحدثته تصرفات العليمي الإنفرادية بهدف تمييع عملية الشراكة خوفا من تحويل الخلاف على القرار إلى خلاف على من يملك حق القرار وهو الأمر الذي يخافه العليمي الفاقد للسيادة الشعبية والميدانية بعكس الزبيدي المستند إلى شرعية السيادة الشعبية والميدانية على الأرض

٤-إذا ما ثبت بأن البيان قد يوحي ضمنيا بعدم اتخاذ قرارات دون مظلة العليمي حينها يسقط البيان تلقائيا كونه يتناقض جوهريًا مع روح اتفاق الشراكة التوافقية المعطلة من قبل الرئيس العليمي .

ب-استنتاجات رئيسية:

١-تعطيل العليمي لمجلس القيادة لم يكن سلوكًا شخصيًا فقط بل نهجًا ممنهجًا لتعطيل التوافق داخل المجلس .

٢-تحركات الزبيدي الأخيرة تمثل رد فعل تصحيحي لواقع الإقصاء.

٣-الأزمة تعكس فشل المجلس في التحول من إطار تمثيلي إلى قيادة جماعية حقيقية .

٤-استمرار الصراع داخل المجلس دون حل يُهدد شرعية المؤسسة ويُضعف سلطتها أمام الداخل والخارج ولهذا فإخراج الزبيدي للصراع إلى العلن سيوصل الأمور إلى وضع يتناسب مع لغة الواقع على الأرض .

٥-البيان لا يعدو كونه تهدئة مؤقتة فيما يظل الصراع قائماً .

٦-ينبغي الاعتراف بأن الأزمة مرشحة للتصعيد خلال الأشهر القادمة إذا استمر الوضع كما هو عليه

 

ج-التوصيات السياسية .

١-إعادة تفعيل مبدأ التوافق بشكل فوري من خلال آلية واضحة لاتخاذ القرار داخل المجلس .

٢-فتح مراجعة قانونية شاملة لكل القرارات الفردية التعطيلية التي صدرت خلال فترة رئاسة العليمي وليس فقط قرارات الزبيدي الإصلاحية البسيطة التي كان لها الفضل في إحياء مبدأ الشراكة القائم على مبدأ التوافق .

٣-تعديل اللائحة التنفيذية للمجلس بما يضمن توزيعًا عادلًا للمهام والصلاحيات بما يحدّ من هيمنة أي طرف.

٤-تفعيل دور هيئة التشاور والمصالحة بشكل عملي لإدارة الأزمات قبل تصاعدها.

٥-تحقيق توازن سياسي داخلي بين الشمال والجنوب يراعي الواقع على الأرض ولا يُعيد إنتاج مركزية مرفوضة

٦-يكمن حل الأزمة في تغيير قواعد الشراكة وأسسها وآلياتها وبما يعكس الواقع وحجم القوى الموجودة على الأرض مع تحديد فترة زمنية واضحة لحل قضية شعب الجنوب .

 

*باحث ومحلل أكاديمي

 

https://www.alameenpress.info/news/53832
You for Information technology