الأمين برس

2025-07-30 00:00:00

سلاح حزب الله.. ليس المشكلة بل أحد أعراضها

كتابات
2025-07-28 22:32:48

في لبنان، يُعاد اليوم طرح السؤال الذي يبدو ظاهريًا أمنيًا، لكنه في جوهره وجودي: هل يمكن نزع سلاح "حزب الله"؟ سؤالٌ تتضخم حوله التحليلات، وتتكاثر فيه الوصفات الدولية، ويتحوّل على ألسنة السياسيين إلى لازمة شعبية، بينما الحقيقة التي لا يريد أحد التحديق فيها أن السلاح ليس هو المشكلة.. بل هو أحد أعراضها. لقد سبق أن جرّب العرب، هذا النموذج من "النزع الناعم" في التسعينيات خلال معالجة معضلة العائدين من أفغانستان، عبر مشروع ضخم للمناصحة، أُنفق عليه المليارات، وتم تجنيد له علماء وعسكريين وخبراء نفس، وتقديم السكن والراتب والسيارة وخطبة الجمعة المدروسة... ثم ماذا؟ ها نحن اليوم نعيش واقع "الذئاب المنفردة"، ونحصي عمليات الطعن والدهس، ونراقب الخلايا النائمة، التي لم تنم، بل تحوّرت، لا أحد يقولها بصراحة، لكن المشروع فشل، ليس لأنه خالٍ من النيّة، بل لأنه خالٍ من الجرأة. لم يكن الفشل بسبب قسوة البرنامج، بل لأنه بدأ من منتصف الطريق، عالج السلوك، وتغافل عن الفكرة، استبدل السلاح بالحوار، لكن أبقى جذور العقيدة دون مساس، لم يدخل إلى نواة الإسلام السياسي، حيث تتربّع مفاهيم "الحاكمية"، و"الولاء والبراء"، و"الإمامة"، و"دولة الجماعة لا دولة الوطن"، وها هي النتائج اليوم تنطق. يقول علي عبد الرازق منذ قرن مضى: "لم يعرف الإسلام منصب الخليفة إلا بعد أن عرف السيف"، وها نحن إلى اليوم، لا نعرف كيف نُفرّق بين الدين والإمارة، بين العقيدة والمليشيات، بين الحق الإلهي والدستور الوضعي، فكيف نتوهّم أننا قادرون على سحب سلاح مَن يظنّ نفسه في ثغور آخر الزمان؟ "حزب الله" ليس استثناءً، بل هو النموذج الأشد تعقيدًا، لا لأنه يملك ترسانة عسكرية عابرة للدولة، بل لأنه يحمل سردية دينية شاملة، يرى من خلالها نفسه "امتدادًا لولاية الفقيه"، و"جنديًا في جيش الإمام الغائب"، و"وصيًّا على الطائفة"، و"البديل عن الدولة"، فكيف تسحب سلاحًا من رجل يعتقد أن هذا السلاح "تكليف شرعي" لا يجوز تعطيله حتى في زمن الهدنة؟ اليوم يُطرح في بيروت سيناريو "دمج عناصر الحزب" في الجيش اللبناني، والقول إن المعضلة تحلّ متى ما دخلت الصواريخ تحت إمرة الضباط، يا لهذا الوهم، هل نسيتم أن جيوشًا عربية بكامل عتادها تهاوت، لأن أفكارًا من هذا النوع كانت تنخرها من الداخل؟، هل نسيتم الجيش العراقي، حين اخترقته الولاءات المذهبية؟، هل نسيتم الجيش السوري، حين أصبح أداة في يد المليشيات؟، هل نسيتم كيف تحوّل الحرس الثوري في إيران إلى دولة داخل الدولة، بل فوق الدولة؟ الجيش ليس مؤسسة تقنية فقط، بل هو الوعاء السيادي الأول، فإن دخلته عناصر تؤمن بأن الطائفة فوق الوطن، وأن الإمام فوق القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقد زرعتَ في صميم الدولة بذرة زوالها. لم تجرؤ أغلب الأنظمة على تسمية المشكلة باسمها الحقيقي: إن تجديد الخطاب الديني ليس ترفًا فكريًا، بل أمنا قوميا، كل دولة لا تملك نسخة واضحة من الدين تتسق مع دستورها، ستجد نفسها في لحظة ما في مواجهة "دين آخر" يُدار من خارج الحدود، الدين هنا ليس شعائر، بل مشروع سلطة، وحين لا تُحدّد له سقفًا، يصير سقف الوطن كله مهدّدًا بالسقوط. "حزب الله" هو أحد فروع هذا الدين البديل، سلاحه ليس فقط ما يُطلق من الجنوب نحو إسرائيل، بل ما يُحقن في العقول داخل الضاحية، عناصره ليسوا فقط من يحملون الكلاشينكوف، بل أولئك الذين يؤمنون بأن لبنان محطة في طريق القدس، لا وطنًا نهائيًا، وكل مشروع لا يبدأ من تفكيك هذه العقيدة، هو مشروع يُجمل الكارثة، لا يعالجها، لكن الأزمة لا تتوقف عند حزب أو مليشيات أو ترسانة، بل تعود جذورها إلى "الخطأ التأسيسي" الذي ارتُكب منذ عقود. فلبنان لم يسقط فقط تحت وطأة السلاح، بل بدأ سقوطه منذ أن تمّ التوقيع على اتفاق الطائف عام 1989، ذلك الاتفاق الذي قدّم نفسه كمصالحة وكعلاج للحرب الأهلية، لكنه في جوهره كان "تنازلًا جماعيًا" عن فكرة الدولة الوطنية لصالح "نظام المحاصصة"، سُمّيت الطوائف مكونات، وأُلبست الزعامات رداء السيادة، وفُكّكت الدولة باسم التوازن، حتى غدت أجهزة الحكم تُدار كمصرف طائفي، لا كجهاز وطني جامع. وهكذا، في ظلّ الطائف، لم تعد السيادة موحدة، بل موزعة على طوائف. لم يعد الولاء للدستور، بل للزعيم، يقول الراحل غسان تويني: "لبنان ليس وطناً بل مجموعة مشاريع دول صغيرة تتعايش على ورقة نعوة"، تلك النعوة بدأت في الطائف، واستُكملت برصاص حزب الله. وها هو المشهد يُراد تكراره، ولكن هذه المرة... في اليمن، ما يُحضّر اليوم في مطابخ التسوية اليمنية، من مشاريع تقسيم وتدوير للنفوذ تحت شعار "تمثيل المكونات"، ليس سوى إعادة إنتاج للطائف اللبناني، يريدون أن يُنشئوا دولة اتحادية لا تقوم على السيادة، بل على الحصص، لا على الهوية الوطنية، بل على هوية الجماعة، سواء كانت مذهبية أو قبلية أو مناطقية. وفي القلب من هذا المخطط، تقع محاولة إجهاض الدولة الوطنية الجنوبية التي قدّمت نفسها شريكًا واضحًا للتحالف العربي، ومشروعًا للدولة المدنية التي سقطت مرتين: مرة عام 1990 حين تمّ ابتلاعها باسم الوحدة، ومرة عام 1994 حين تمّ اجتياحها باسم الشرعية. هناك نزعة واضحة لإخضاع الجنوب لإرادة الإسلام السياسي، عبر منطق المحاصصة، و"تذويبه" في تركيبة هلامية تشبه النظام اللبناني، الهدف ليس فقط تفكيك الجنوب، بل إضعافه سياسيًا، حتى يبقى تحت سقف الغير، لا تحت رايته. وإذا لم يُدرك صناع القرار أن منع تكرار النموذج اللبناني في اليمن هو أولوية سيادية، فإننا سنجد أنفسنا بعد سنوات أمام "حزب الله يمني"، و"ضاحية جنوبية في تعز"، و"طائف جديد على ضفاف عدن. الجنوب لا يطلب امتيازًا، بل يطلب ألا يُعاد إقحامه في معادلات فاشلة، يريد أن يكون شريكًا في التنمية ومنافساً ضمن الإقليم العربي، لا ضحية في "الدويلة"، يريد أن يكون حليفًا للمشروع العربي، لا رهينةً في المشروع الطائفي، والخلاصة؟، لا تبنوا مشروع نزع سلاح دون نزع العقيدة التي صنعت السلاح. ولا تقيموا دولة في اليمن على أنقاض الجنوب، لأن الجنوب الذي صمد وحده، سيبقى وحده إذا لزم الأمر، فهو سيبقى مصرّاً على أن يلتصق بالتجربة الإماراتية الحالمة لعله معها يصل إلى المريخ، والتاريخ، إن لم يُفهم من تجربة بيروت، سيُكتب من جديد.. على طريقة صنعاء. * عن العين الإخبارية

https://www.alameenpress.info/news/52783
You for Information technology