في الشرق الأوسط، لم تعد الحرب تخاض فقط بالسلاح أو العقوبات، بل باتت تدار بعقول بارعة في التضليل والخداع الإعلامي والمعلوماتي. ما يسمى بـ"القوة الحادة" أصبح جزءا أساسيا من استراتيجية الدول الفاعلة في المنطقة، وعلى رأسها إيران وإسرائيل، اللتان تخوضان صراعا غير مرئي لفرض رواياتهما وتوجيه الرأي العام. تستغل إيران خطابا دينيا وأيديولوجيًا للتأثير في المجتمعات، وتقدم نفسها كمدافع عن المظلومين والمستضعفين. لكنها في الوقت ذاته، توظف أدوات إعلامية ومنصات ناطقة بلغات مختلفة لترويج سرديات سياسية تزرع الشك في الأنظمة المنافسة، وتغذي الانقسامات الطائفية داخل المجتمعات. خلف هذه الصورة، هناك شبكات إلكترونية تمارس التشويش الذهني، وتبني ثقة مزيفة، وتخضع العقول تدريجيا لسلطة الخطاب الثوري. أما إسرائيل، فتلعب اللعبة بوجه مختلف. فهي توظف تفوقها التكنولوجي والإعلامي لاختراق العقل العربي والدولي، وتحسن تسويق صورتها كدولة ديمقراطية وسط "أعداء متطرفين". تضخ روايات إعلامية دقيقة ومدروسة لإعادة تشكيل الوعي العام، وتشويه الخصوم، وفرض واقع جديد للصراع، حيث تظهر المعتدي كضحية والمقاومة كإرهاب. عبر وسائل التواصل، وشبكات الضغط، والأنظمة السيبرانية، تحولت إسرائيل إلى فاعل مؤثر في صياغة المعلومة قبل أن تصبح خبراً. في هذه البيئة المشبعة بالتضليل، يغدو المواطن العربي عالقا بين الرسائل المتضاربة، وأسيرا لحرب سرديات تمارس عليه أكثر مما يمارسها. فالمعلومة لم تعد أداة للمعرفة، بل سلاحا للهيمنة. والصراع لم يعد فقط على الأرض، بل في العقول والشاشات والمنصات. لعبة الخداع والتضليل ليست مجرد تفصيل في مشهد الشرق الأوسط، بل أصبحت قلبه النابض الجديد. في زمن الصورة والهاشتاغ والرواية السريعة، لم يعد الانتصار مرهونا بمن يملك السلاح، بل بمن يُقنع الآخرين بأنه على حق... حتى وإن لم يكن كذلك. إن إسرائيل وإيران، رغم عدائهما المعلن، وجهان لعملة واحدة من الفوضى والتضليل، كلاهما يستخدم شعوب المنطقة كوقود في معركة نفوذ قذرة لا تعترف بالحدود ولا بالقيم. هما أخطر ما يهدد أمن الشرق الأوسط اليوم.! مشروعان يتغذيان من تزييف الواقع وتخدير العقول. ومع ذلك ، فإن إسرائيل هي من أخترقت قواعد القانون الدولي باعتدائها السافر على دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة كإيران ، إذ لايحق استخدام القوة ضد اي دولة إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي وفق اليند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. عبدالكريم أحمد سعيد