يتحدث أنصار الأقاليم هذه الأيام عن اليمن الاتحادي بحماسٍ شديد في وقتٍ سحق فيه هذا المشروع تحت سنابك الدبابات ودوي المدافع والصواريخ، وعمليات الاغتيال والتفخيخ التي تتعرض لها محافظات الجنوب المحررة على أيدي الجماعات المسلحة المزروعة والمتبقية منها منذ 1994م، ويقدم هؤلاء مشروع "الأقاليم الستة" على إنه أعظم ما أنجره مؤتمر صنعاء لـ"الحوار الوطني" الذي انعقد طوال العام 2013م.
يتذكر جميع اليمنيين في الشمال والجنوب ذلك البيان المشترك للإخوة في حزبي المؤتمر والإصلاح الصادر عشية اختتام مؤتمر صنعاء (وهو أول بيان يشترك فيه الخصمان بعد حرب الحصبة وتفجير جامع النهدين) والذي رفضا فيه مشروع الأقاليم الستة، مثلما يتذكرون (أعني جميع اليمنيين) انسحاب مؤتمر شعب الجنوب الذي راهن عليه البعض لتمثيل الجنوب في مؤتمر تعسرت ولادته وأنجب خدجا ميتا، كما يتذكرون اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين واختطاف الدكتور بن مبارك الذين كانا يحملان مشروع الدستور المتضمن مشروع اليمن المؤقلم، ومثل ذلك يتذكرون موقف الحزب الاشتراكي الداعي إلى دولة اتحادية بإقليمين، ولا يمكن القفز على ما تلى كل ذلك من انقلاب على الشرعية وما استتبعه من تداعيات وحرب ما تزال مستمرة حتى اليوم.
كل تلك الأحداث كانت تحمل في طياتها رفض أغلب إن لم أقل كل الطبقة السياسية اليمنية لمشروع "اليمن الاتحادي"، كل منهم من زاوية ما يرى فيه تجسيد لرؤيته ومصالح الجماهير التي يعبر عنها.
جرت مياه كثيرة تحت جسر الحياة منذ ذلك اليوم أكدت أن مشروع "اليمن الاتحادي" غير قابل للحياة، وأن التربة التي ينبغي أن ينبت وينمو فيها غير متوفرة، فالجنوبيون يرفضون هذا المشروع لأنه لا يقدم أي حل عادل لقضيتهم، المرتبطة بهدم دولتهم واجتياح أرضهم وطمس هويتهم وتاريخهم، وجاء هذا المشروع لتحويلهم من مقصيين بالجملة إلى مقصيين بالتقسيط، وغزاة 1994م يرفضون هذا المشروع لأنه يتصدق ببعض الفتات (كما يتصورون) من غنائم 1994م لبعض الجنوبيين ويعتبرون (أي جماعة 1994م) ذلك يمثل استنقاصاً من حق اكتسبوه عبر "الوحدة المعمدة بالدم" أما التحالف الانقلابي فقد أقدم على ما أقدم عليه رفضا لهذا المشروع ورغبة في العودة إلى حلم الدولة القاسمية الصالحية التي أريد لها أن تكون بديلا لكل الشعارات التي طالما تغنى بها الحالمون بالانتماء إلى القرن العشرين.
الذين يحتفون هذه الأيام بـ"اليمن الاتحادي" يتناسون كثيراً من الحقائق الفاقعة والجلية لكل ذي عينين (أو حتى عين واحدة) وأهمها أن الحرب الدائرة في اليمن لم تكن لتندلع لولا هذا المشروع وأن الجنوب الذي أسقط مشروع التحالف الانقلابي لم يفعل هذا لأنه يريد "اليمن الاتحادي" وإنما لأنه يريد سيادته على أرضه التي يأبى أصحاب 1994م أن يستعيدها ويقرر في ضوئها مصيره ومستقبله.
المحتفون بمشروع "اليمن الاتحادي" يحتفون بمولود خدج مات قبل الولادة لكنهم يصرون على إقناعنا بأنه ما يزال حياً أو أنه يمكن استخراجه من القبر لبعث الحياة فيه بعد أن مات وشبع موتاً.