30 نوفمبر.. ذكرى استعادة وطن تُنير طريق الاستقلال الثاني

30 نوفمبر.. ذكرى استعادة وطن تُنير طريق الاستقلال الثاني

قبل ساعتين
30 نوفمبر.. ذكرى استعادة وطن تُنير طريق الاستقلال الثاني
 تقرير / رامي الردفاني

مع اقتراب موعد الـ30 من نوفمبر، يعود الجنوب إلى لحظةٍ لا تزال تنبض بالحياة رغم مرور ثمانية وخمسين عاماً عليها وفي عام 1967 ارتفع علم الدولة الجنوبية لأول مرة فوق سماء عدن، ليعلن نهاية مرحلة وصياغة أخرى، وليفتح الباب أمام شعبٍ كتب بدمه وإرادته أول فصول الحرية .. واليوم، في عام 2025، تبدو هذه الذكرى أكثر حضوراً وتأثيراً، لأنها لم تعد مجرد محطة تاريخية، بل تحوّلت إلى معبر يعيد الجنوبيون عبره قراءة الحاضر واستشراف المستقبل.

 

 

كما تعيش محافظات الجنوب هذه الأيام حالة استثنائية من الاستعداد والترقب إذ تتجه الأنظار نحو فعالية جماهيرية كبرى في مدينة سيئون بوادي حضرموت، إلى جانب احتفالية كرنفالية في العاصمة عدن. اختيار سيئون تحديداً يحمل رمزيات متعددة فهي مدينة لطالما انتظرت لحظة تعبر فيها عن انتمائها الحقيقي بعيداً عن أي قوى دخيلة لا تمثل وجدان أهلها. ولذلك يتهيأ وادي حضرموت ليكون هذا العام مساحة يتردد فيها صوت الجنوب واضحاً وقوياً، مؤكداً أن كل المناطق الجنوبية، من الساحل إلى الجبل، ومن الوادي إلى العاصمة عدن، تتحرك اليوم كجسد واحد نحو هدف واحد.

 

أما العاصمة عدن، المدينة التي ولدت فيها لحظات الاستقلال الأولى، فتستعيد دورها الطبيعي كمنصة للاحتفال والفرح الوطني. تستعد الشوارع لاستقبال آلاف المواطنين الذين سيحملون أعلام الجنوب ويرددون الأهازيج التي ترافق عادة اللحظات المصيرية في تاريخ الشعوب ، وتبدو عدن هذا العام أكثر استعداداً من أي وقت مضى لالتقاط روح المناسبة وتحويلها إلى لوحة فنية تملؤها الألوان والوجوه والذكرى.

 

لا تشبه ذكرى الاستقلال في الجنوب أي مناسبة أخرى؛ فهي محطة تستحضر فيها الأجيال تضحيات الرجال الذين صاغوا ملامح الدولة الأولى، وفي الوقت ذاته تشكل جسرا يعيد ربط الماضي بالحاضر ورغم التحديات المعقدة التي عصفت بالمنطقة طوال العقود الماضية، بقيت هذه الذكرى بمثابة الوعي الجمعي الذي يحافظ على الهوية الجنوبية ويعيد ترميمها كلما حاولت الظروف أن تنال منها.

 

أمام هذه الخلفية التاريخية يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي تحويل المناسبات الوطنية إلى لحظات سياسية فارقة فمنذ تأسيسه، حرص المجلس على أن تكون هذه الأيام نقطة التقاء بين القيادة والشعب، وفرصة لإعادة توجيه البوصلة نحو الهدف الأكبر المتمثل في استعادة الدولة وتكشف التحضيرات الضخمة الجارية حالياً عن مستوى متقدم من التنظيم والجاهزية، ما يعكس تطور الأداء المؤسساتي للمجلس وقدرته على قيادة الشارع الجنوبي وتوجيه طاقته نحو خيارات واضحة تتكئ على رؤية سياسية مدروسة.

 

في هذا العام تحديداً، تتزامن احتفالات الاستقلال مع تقدم ملحوظ في ملف القضية الجنوبية.. فقد أصبح للمجلس الانتقالي حضور فاعل في المشهد السياسي الإقليمي والدولي، وأصبح الجنوب رقماً صعباً في معادلات الحوار وفصول التفاوض.

 

 

ومع كل خطوة سياسية تُنجز، يقترب مفهوم “الاستقلال الثاني” من التحول إلى حقيقة ملموسة، مشروع تتشكل ملامحه على الأرض من خلال تعزيز الأمن، وترتيب المؤسسات، وتوحيد القرار السياسي، وصياغة خطاب وطني يعكس تطلعات الناس دون مبالغة أو قفز على الواقع.

 

أن الحشود البشرية الجماهيرية المتوقعة في سيئون وعدن تحمل دلالات لا تخطئها العين. فالجنوبيون لا يخرجون فقط للاحتفال بذكرى تاريخية، بل يخرجون لتجديد الولاء للمسار الوطني الذي اختاروه، ولتأكيد أن وحدة الجنوب السياسية والشعبية ليست مجرد شعار، بل إرادة تعيش في قلب كل مواطن. إنهم يخرجون ليقولوا للعالم إن هذه الأرض قادرة على حماية هويتها، وإن المشروع الوطني الذي يولد اليوم أكثر قوة واتساعاً من أي مرحلة سابقة.

 

وهكذا تأتي الذكرى الـ58 هذا العام محمّلة برسائل تتجاوز حدود لتبعث رسالة بأن الجنوب لا يزال على العهد، وأن ذاكرة الاستقلال الأول أصبحت اليوم دافعًا نحو كتابة فصل جديد من تاريخ المنطقة. وهي أيضاً مناسبة لتجديد الثقة بأن الشعب الذي استطاع أن ينتصر على الاستعمار قبل عقود، قادر اليوم على استعادة دولته عبر أدوات سياسية عصرية ورؤية واقعية تستند إلى وحدة الصف والقرار.

 

كما يمثل الـ30 من نوفمبر ذاكرة وطن وروح شعب ودليل على أن الجنوب يعرف تماماً الطريق الذي يسير فيه وإن اليوم الذي يقول فيه الجنوبيون لأنفسهم وللعالم: نحن هنا حاضرون بماضٍ مشرّف، وبحاضرٍ صلب وبمستقبل نصنعه بأيدينا خلف قيادة تثق بها الجماهير وتدرك أنها تحمل مشروع وطن كامل لا نصف حلم.

 

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر