في اليوم العالمي للطفولة يتوشح العالم بألوان الفرح، وترفع شعارات الحماية والرعاية والحب للطفل،فهو الحلم الذي يمشي على قدمين ،وهو الغد المختبئ في قلب الحاضر ،ولكن ماذا عن أطفال الجنوب؟ الزهرات والبراعم الذين شاء القدر أن يولدوا على أرض متخنة بالجراحات،وفي زمن لايشبه الطفولة،ولا يحمل من بهجتها شيء، فطفولتهم منقوصة وأفراحهم ليست كاملة. إن الطفولة لا تعني بالضرورة دمى وأراجيح،ولا كتباً ملونة أو صفوفاً مشرقة، مكيفة صيفاً ودافئة شتاءً، لأن الظروف المحيطة بهم جعلتهم يزهدون ذلك يقيناً، كيف ولا وهم الذين ولدوا وسط الصراعات، وركام الحروب المتتالية، وأهوالها التي لا يفهمونها ولكنها أفزعتهم وأخافتهم، وقد تكون في أحياناً كثيرة أفقدتهم أحبتهم ، وجعلتهم ينضجون قبل أوانهم، يحملون فوق أكتافهم الصغيرة اللينة مالاتحمله الجبال، ومع ذلك نرى في عيونهم ،وهجاً لا ينطفئ ،وإصراراً على الحياة ،يربك حتى من أرادوا موتهم ،واختفائهم عن الوجود. أطفالنا يدخلون مدارسهم ،أحياناً بلا مقاعد،بلا كهرباء، بلا ماء ... ولكنهم البته لايدخلون بلا حُلم ،نعم يتعلمون في ظروف هي الأقرب إلى المستحيل ، يكافحون للوصول إلى أبسط حقوقهم ، فهناك طفل يمشي لساعات طويلة ،كي يصل إلى مدرسته،وهناك طفل يعمل بعد الدوام المدرسي، ليساعد أباه المعدم أو الجريح أو المقعد ،لتنجو أسرته من الجوع، كما أن هناك طفلة تجبر على الزواج المبكر ،لتنجو أسرتها أيضاً من العوز والحاجة. فهنا يتلاشى مفهوم الطفولة ، كما يعرفه العالم ،ففي الجنوب الطفولة ليست زمناً للعب ، بل إنها مساحة للمقاومة اليومية،سواء أكان من أجل التعليم ،أو من أجل البقاء على قيد الحياة. كما أننا لا يجب أن ننسى ، في هذه المناسبة ،أن وراء كل طفل جنوبي يبتسم، غالباً هناك إمرأة تقاتل ، أمٌ لا تنام إلا قليلاً، تتقاسم مع أبنائها، كسرة الخبز التي وفرتها بعصارة جهدها المتفاني، لتنسج الأمن من الخوف،وتغرس الأمل في قلوبهم ،رغم أنها لا تملكه لنفسها، ففي ظل غياب الدولة والدعم الكافي ،تتحول النساء إلى وزارات قائمة بذاتها ،تتحمل الأعباء ، وتقاوم الإنهيار ، لتبقي أطفالها واقفون على أرض خصبة من الحب ،قائلة لأطفال الجنوب ،أنتم نور هذا الوطن ،حين يُظلم ،وأنتم الحلم الذي الذي سنقاتل ،كي لا يضيع.