هل هي مخاضات فك الارتباط في اليمن؟

هل هي مخاضات فك الارتباط في اليمن؟

قبل 9 سنوات

  

 هناك مقاربات لا يبدو أن الخيال السياسي قد اشتغل عليها بكثافة وأنتجها، فلا أحد يجرؤ في الواقع على التنبؤ بمآلات المشهد اليمني المعقد والمتقلب بشكل متسارع وصادم، لكن يمكن وضع إعتبارات أو قراءة قريبة من المنطق في المحصلة النهائية لعمليات تقاطعت على الارض بقوة خلال الفترات المنصرمة وتوُّجت بالاحداث الأخيرة منذ سبتمبر العام الماضي.

لقد وصل اليمن الى مشارف تطل على مشهد مختلف تلوح فيه ومن خلاله متغيرات نوعية كبيرة، ربما لم يخطط لها أحد ولم تأت ضمن مجهود واع وليست إبنة تدخلات خارجية صرفة في إطار توجه سياسي إقليمي – دولي لرسم مستقبل اليمن.

ليس كل ذلك، فما هو على الطبيعة الان وسيقود الى تلك التغييرات كان قد أتى إثر تفاقم الأزمات التي عاشتها وتعيشها صنعاء، وعدم انضباط مسارات محددة لها. ولم يكن أنصار الله وحدهم القوة التي حركت هذا التاريخ، فأنصار الله هم مُنتج  أتى من رحم الاوضاع المتفاقمة في اليمن منذ ما قبل ????،  وأصبحوا قوة فرضت نفسها على خلفية تقادم قوى سياسية وقبلية متنازعة تزحزحت عن مكانها ومكانتها وتبدلت موازينها ووجهاتها، وقد كانت تعتبر أدوات للإقليم الذي تعامل معها في الغالب كمراكز قوى وليس مع اليمن كدولة، ومكثت ردحاً طويلاً من الزمن دون أن تقدّم عبر تاريخها بدائل حقيقية للنهوض بواقع ذلك البلد المنكوب.

كل المشهد اذاً تُبنى أركانُه على حقيقة باتت تتجسد ولو ببطء على الارض، وتلك الحقيقة هي أن الامور تتجه نحو فك الارتباط بين “جيوسياسيتين” تنشآن بشكل مختلف عن الماضي في صنعاء وعدن، في إطار جدلية متضادة تتشابك بداخلها القوى لبعض الوقت حتى يحط الواقع حمولته وكلكله ويصبح أمراً غير قابل للتغيير من الداخل أو من الخارج، فتعود عندها الجغرافيا السياسية لليمن مثلما كانت عليه قبل ????.

لا أحد يعتقد أن الرئيس هادي هو من يرخي اطراف “الاواصر المهترئة” للوحدة، أو يخطط لفك الارتباط، وكذلك الحال عند كل القوى السياسية المتواجدة في الساحة اليمنية بما فيهم أنصار الله، لكن منطق الاحداث وتطورها وتراكمها سيمهد لنشوء واقع جديد اليوم أو غداً.

لقد تعثرت المرحلة الانتقالية في اليمن لأسباب كثيرة وقاهرة نظراً لتعقيد الأوضاع والقفز على معضلات رئيسية، وكذلك بطء مساراتها التي أتاحت الفرصة لنهوض قوة وتفكُّك قوى.. حتى ذهب اليمن على خط عبور مختلف عما خُطط له، وتفاعلت الاحداث لتقود في زمن قياسي إلى كشط وتجريف كامل لكل الحقائق السياسية القديمة والجديدة (مابعد فبراير ????) ، مجسدة حراكاً كاسحاً يتقدم على ميادين لا تعمل وفق قواعد الاشتباك المتعارف عليها، ثم قفزت في آخر المطاف بشكل نوعي في الايام القليلة الماضية دون تخطيط لتعيد صناعة مسارين متوازيين في الجنوب والشمال.

وحين تتشكل سلطات في عدن وأخرى في صنعاء، ومهما كانت الولاءات الصوتية والعاطفية لهذه أو لتلك متشابكة ومتداخلة بين الشمال والجنوب، فإن الواقع سيفرز عواملاً تتضافر عند كل طرف منتجة بيئة حاضنة لمفاهيم وتحالفات جديدة كلها ستقود، شاء من شاء وأبى من أبى، إلى استدعاء أوضاع ماقبل الوحدة بواقع جديد لا يعيد بالضرورة للأذهان حال الجمهوريتين اللتين عاشتا آنذاك.

لا أحد يستطيع هضم إمكانية أي تحرك عسكري نحو عدن أو العكس، لأن تلك ستكون مغامرة غير محسوبة كما أن أحداً لن يتوقع أن تتنازل الأطراف وتتقاسم (الشرعيات) والحكم في إطار صفقة ناعمة وحقيقية يعود الرئيس على إثرها إلى قصر الرآسة في صنعاء ثم تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ?? سبتمبر الماضي.

ومع مرور الوقت سيتم سدّ فراغ القوة في الجنوب الذي سيمر بمراحل  تؤدي الى نشوء اصطفاف عريض واسع الطيف لتأييد الواقع الجديد الذي يُرسِّخ ويُنضِج شروطَ مرحلة ماقبل اعلان الدولة. حينها يقتنع الداخل والخارج بأن فك الارتباط أصبح أمراً بديهياً وكلفته أقل بكثير من كلفة فرض استمرار الوحدة بوضعها القديم – الجديد.

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر