أبعاد ودلالات قرارات اللجنة العليا للإيرادات

أبعاد ودلالات قرارات اللجنة العليا للإيرادات

قبل ساعتين
أبعاد ودلالات قرارات اللجنة العليا للإيرادات
الأمين برس/  منير النقيب

تشير الإجراءات الأخيرة الصادرة عن اجتماع اللجنة العليا للإيرادات، برئاسة الرئيس الزُبيدي، إلى تحول نوعي في إدارة الملف الاقتصادي الجنوبي، من مرحلة المعالجات الجزئية إلى بناء منظومة متكاملة لاستعادة السيطرة على الموارد والسياسات النقدية. هذه القرارات، التي تحظر التعامل بالعملات الأجنبية وتفرض الالتزام الصارم بالعملة المحلية، تتجاوز كونها إجراءات مالية، لتصبح إعلانًا عمليًا عن مشروع السيادة الاقتصادية الذي يسعى الجنوب لترسيخه منذ استعادة زمام المبادرة السياسية.

 

 

*الأبعاد السياسية والاقتصادية

 

 

على الصعيد السياسي، يعكس القرار إرادة واضحة للخروج الفعلي اقتصاديًا وماليًا من تبعية منظومة الشمال التي تديرها مليشيات الحوثي والتي ظلت لعقود تتحكم في موارد الجنوب وتعيد توظيفها خارج مصالحه.

 

ومن منظور اقتصادي، فإن التحكم في الدورة المالية عبر البنك المركزي بالعاصمة عدن يمثل حجر الزاوية في أي مشروع لبناء أسس قوية لدولة متكاملة قادرة على إدارة اقتصادها بمعزل عن الضغوط الخارجية.

 

 

كما أن حصر الإيرادات الحكومية وتوريدها للبنك المركزي يعزز قدرة السلطات على ضبط السياسة النقدية، وهو ما يمنحها أدوات أكثر فاعلية للتحكم في أسعار الصرف، وتقييد المضاربات، وكبح التضخم، وهي عناصر حيوية لأي بيئة استثمارية مستقرة.

 

 

*مواجهة الرافضين

 

 

لكن المسار لن يكون بلا تحديات، فهناك شبكة من المصالح الاقتصادية، تشمل قطاعات تجارية مؤثرة كتجارة الذهب وبعض المؤسسات الخدمية، تحاول الالتفاف على القرار عبر الاستمرار في التسعير أو البيع بالعملات الأجنبية. هذه الممارسات لا تقتصر على كونها مخالفة قانونية، بل تمثل، في القراءة السياسية، حربًا اقتصادية مضادة تستهدف تقويض مسار الاستقلال المالي للوطن..

ولهذا، فإن إعلان اللجنة نيتها محاسبة المخالفين قانونيًا وإداريًا ليس مجرد تهديد، بل هو رسالة بأن الإرادة السياسية مستعدة لفرض الانضباط الاقتصادي بالقوة إذا لزم الأمر، تمامًا كما تم إخضاع كبار الشركات التجارية لإجراءات ضبط الأسعار والصرف.

 

 

*معركة اقتصادية

 

 

في السياق الأشمل، يمكن قراءة هذه القرارات كجزء من "المعركة الاقتصادية" التي تخوضها القيادة الجنوبية، والحكومة وهي معركة لا تقل أهمية عن المعركة السياسية أو العسكرية ، إذ أن تحقيق الاستقرار المالي سيعطي للمجلس الانتقالي مكانه قوية للمناورة في التفاوض السياسي، داخليًا وخارجيا وسيعزز موقعه كسلطة أمر واقع قادرة على إدارة شؤون البلاد بكفاءة.

كما أن الالتزام المجتمعي بهذه الإجراءات سيحدد مدى نجاحها، فالمعركة ليست بين السلطة والمخالفين فقط، بل هي اختبار وطني لمدى استعداد المجتمع بالجنوب للتكاتف حول مشروع الاستقلال بكل أبعاده، بما فيها البعد الاقتصادي.

 

*تحرر اقتصادي كامل

 

 

القرارات الأخيرة تمثل نقطة انعطاف استراتيجية في مسار استعادة دولة الجنوب ، لأنها تربط بين مفهوم السيادة السياسية والسيطرة على مفاصل الاقتصاد. لكن نجاح هذه الخطوات يعتمد على عاملين رئيسيين:

-الحزم في التنفيذ عبر آليات رقابية وقانونية فعالة، لمواجهة جيوب المقاومة الاقتصادية.

- التفاعل الشعبي لضمان أن تكون حماية العملة والاقتصاد قضية رأي عام، وليست مجرد قرار إداري.

 

 

إنها معركة قوية لكن المؤشرات الأولية من التأييد الشعبي إلى الاستجابة الجزئية في الأسواق توحي بأن الجنوب قد بدأ بالفعل خطواته العملية الأولى نحو التحرر الاقتصادي الكامل.

 

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر