الحوثي ليس انقلابياً وإيران دولة صديقة.. تبدّل المسارات وحلفاء في منتصف الجحيم  

الحوثي ليس انقلابياً وإيران دولة صديقة.. تبدّل المسارات وحلفاء في منتصف الجحيم  

قبل سنة

الاتفاق السعودي الإيراني حول إعادة العلاقات تطور ليس مفاجئاً كما وصفه البعض فقد كانت هناك مقدمات معلنة في هذا الاتجاه  لكنه مع ذلك وضع جمهور المراقبين على المحك، مع تفاؤل حذر عند البعض و توجسات عند البعض الآخر. 

لا أحد يفهم تفاصيل كثيرة مثلما يصعب إدراك حساسية التوقيت الذي اعتبره البعض بأنه يساعد في التنفيس على إيران التي تواجه اتهامات برفع نسبة تخصيب اليورانيوم (الى %83) واقترابه من حدود العتبة النووية.. وهو حدث ينذر بعواقب وخيمة من ضمنها الخيار العسكري لضرب منشآتها. ويعتبر الملف النووي العصب الرئيسي في استراتيجية إيران التي تواجه، من ناحية أخرى، ضغطاً شعبياً غير مسبوق ومستمر منذ شهور.

من ناحيتها تحتاج المملكة إلى تعزيز نهجها في إعادة تموضع إقليمي ودولي وخلق بيئة مساعدة للنمو الاقتصادي الذي يعتبر الحلقة المركزية في سياسات ولي العهد وكذلك بناء معادلة جديدة من العلاقات الدولية والشراكات الاقتصادية والأمنية  وتخفيف الاعتماد على الولايات المتحدة التي ذهب رئيسها السابق أوباما نحو عقد اتفاق مع إيران بمعزل عنها وهي الحليف الأكبر في المنطقة كما ذهب الرئيس الحالي بايدن الى الإفراط في تصريحاته المسيئة وتهديداته الفظة خلال وبعد أزمة خاشقجي الشهيرة. 

بدأت المملكة المحادثات مع إيران منذ عامين معلنة أنها تفضل الحلول السياسية والحوارات بعد تجربتها الصعبة في اليمن خاصة وقد تعرضت منشآتها الاستراتيجية لهجمات جوية متعددة. وفي مسار مواز  كثفت من محادثاتها عبر الوسيط العماني مع أنصار الله لوقف الحرب بدءاً بهدنة طويلة ربما تفتح -كما صرح وزير خارجيتها- أبواب عملية سياسية لحل الازمة اليمنية.

الوسيط الصيني حقق نصراً دبلوماسياً في منطقة حساسة سيعزز حضوره كقطب صاعد خاصة وأن الخليج منطقة حيوية من الزاوية الاستراتيجية حيث بلغ حجم التبادل التجاري مع الصين أكثر من  160 مليار دولار (تجاوز 300 مليار مع العالم العربي)  كما أن الصين تستورد أكثر من %30 من حاجتها للنفط من الخليج الذي ينافس روسيا في حجم الصادرات البترولية إلى أسواقها. 

ومع كل ذلك  فإن الإعلان عن إعادة العلاقات لا يعني أن التوتر قد وجد طريقه إلى الخفض المباشر وان البلدين يشرعان نحو شراكة ما. هناك توافق حول إعادة العلاقات وتفاهمات حول مبادئ عامة وسيكون التطبيق هو الشق الأصعب. 

لكن ماذا عن اليمن؟ 

قال السيد حسن نصر الله "إنَّ الاتفاق السعودي الإيراني حول عودة العلاقات تحوّلٌ جيد لكنه ما يزال خبر عاجل وبالتأكيد لن يكون على حساب شعوب المنطقة، وفي حال تعاونَ الطرفان فإنه سيكون لصالح شعوب" حددها بالأخص على النحو التالي : "سوريا لبنان اليمن" كما أكد بأن "الطرف الثاني (ايران) لن يخلع صاحبه" وهي اشارة قوية وذات دلالة واضحة. وعليك أيها القارئ وفقاً للمدرسة السياسية التي تروق لك ان تضع ذلك الكلام في مصفوفة الاحتمالات خاصة وأن الرجل الذي تحدث بذلك هو الأهم في المنظومة الاقليمية المرتبطة بإيران بل انه اهم من وزير خارجيتها. ويبقى السؤال المقابل : هل ستترك المملكة حلفاءها (حرّاس النهايات الغائمة) في منتصف الجحيم؟ 

الاتفاق الأخير سيساعد على تعزيز مسار التفاوض بين المملكة وأنصار الله ولا يُستبعد أن الملف اليمني أخذ حيزاً مهما من التفاهمات بين الراعيين الإقليميين وقد يسرع في عملية وقف الحرب. وهي رغبة مشتركة  لدول العالم والإقليم.

عزيزي القارئ، مع التأكيد على أهمية وضرورة وقف الحرب، لن يغضبك  إذا تمت الاشارة إلى  (اللاءات) الكبرى التي يمكن افتراضها في سياقات التوافقات الإقليمية والمواقف الدولية في الوقت الراهن:
(لا) شيء من أهداف عاصفة الحزم قابل للتحقيق سوى ضمانات لحماية قائدة التحالف من أي هجمات أو اعتداءات حدودية.. (لا) الحوثي انقلابي و(لا) المرجعيات الثلاث ركائز للحل السياسي في اليمن.. (لا) مشروع عربي مقابل مشروع فارسي كما روج له البعض سوى أنه كان حجة اعلامية لتقوية قناعات المحاربين.
ولا حاجة لنا بأي اضافات هنا قد ترهق (المتشائلين ) و المتسائلين معاً  في مرحلة حساسة. 

الشمال إذن أمام مفترق صعب.. الحوثي لم يعد انقلابياً بل المحور الأقوى في المعادلة اليمنية وسوف يسعى لترجمة ذلك عملياً في كل التفاهمات والترتيبات القادمة. و بالتأكيد لن يكون الأمر سهلاً نظراً للتعقيدات الهائلة في خريطة الصراعات والتركة المأساوية للحرب وجراحاتها العميقة.
لكن المفترق المؤلم ايضاً هو ما يواجه الجنوب الذي تأخر في إدراك أولوياته بسبب غياب القدرات السياسية المطلوبة في ظرف مصيري إلى جانب الولاءات المفرطة وتجميد كثير من الأوراق، وعدم وضع حساب للوقت.. ولا شيء أدلّ من أن المتغيرات الداخلية والخارجية بما فيها التقارب الإيراني السعودي وكذلك التفاهمات السعودية الحوثية (المرتقبة) كانت أسرع من الحوارات والتفاهمات الجنوبية الجنوبية التي تعتبر الشرط الأكثر حيوية في هذه المرحلة. مع ذلك يصعب التكهن الآن فليس كل شيء مُدرَك، لكن البديهي أن هناك (الكثير) مما يتعين فعله لمواجهة المرحلة القادمة.
احمد عبد اللاه 
15/3/2023

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر